× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

«أخطبوط» يحكم إدلب.. ما هي أدوات الجولاني للتشبّث بالسلطة؟

عقل بارد - على الطاولة 17-05-2024

يبدو أن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أبا محمد الجولاني، لن يتنازل عن السلطة رغم تصاعد الاحتجاجات المطالبة برحيله. الفكرة ليست واردة في حسابات «الجهادي» المخضرم الذي عمل على تأسيس بيروقراطية موالية لمشروعه في السلطة قد لا يقل تماسكها عن الأجهزة الإدارية والمؤسسات الأمنية التي تديرها دمشق

الصورة: (صفحات «الإنقاذ» على مواقع التواصل الاجتماعي)

في إحدى الساحات المكتظة بمتظاهرين مؤيدين للجولاني، كان شاب ذو لحية برتقالية يتوعد أنصار «حزب التحرير الإسلامي»، المناهض لـ«هيئة تحرير الشام» بـ «الذبح وقطع الأعناق»، وسط تعالي صيحات المشاركين بترديد هذه العبارات، ما يثير علامة استفهام كبيرة، فلماذا نشاهد من يخرج في مسيرات مؤيدة للجولاني، مقابل تلك المناهضة له شمال غربي سوريا؟ وهل المسألة تتعلق بعملية تدجين؟ أم بمصالح مشتركة؟

يفرز الكاتب والمحلل السياسي فراس علاوي الأطراف التي يمكن أن تقف أمام أي تغيير مرتقب في سلطة الجولاني إلى ثلاثة أصناف؛ الأول المنتفعون من السلطة وهم الحاصلون على مناصب حكومية وأمنية، وهذا الصنف لن يتنازل عن المكاسب التي حصل عليها من تعاونه مع الجولاني بسهولة.

تمكن ملاحظة صنف آخر، وفق علاوي، غير مقرب من السلطة ولا يضع الحصول على المناصب والمكاسب المادية والمعنوية نصب عينيه، لكنه يخشى غياب الاستقرار، وهي الحالة التي تعقب أي محاولة تغيير، خاصة بعد الصدمات التي عاشها الشارع السوري على مدار سنوات الحرب الطويلة.

هناك قسم ثالث يخشى أي محاولة تغيير وسيقف أمامها على الأرجح، يضم التجار وأصحاب رؤوس الأموال الذين بنوا مشروعات اقتصادية في المنطقة ويتعاونون مع السلطة على أساس المنفعة المتبادلة، ويخشون التغيير حرصاً على مكتسباتهم الاقتصادية والتجارية. 
 
حكومة الإنقاذ

حرص الجولاني منذ سنوات على هيكلة مؤسسات أمنية وعسكرية وإدارية واقتصادية، لتقف خلفه ضد أي محاولة لإسقاطه من جهة، وليدير شؤون المنطقة بواسطتها، من جهة أخرى.

بمقدار ما تتنوع هذه المؤسسات، من حيث الوظيفة والتبعية وطريقة العمل، تسير في نهاية المطاف ضمن مسار رئيس ووحيد، هو العمل لمصلحة الجولاني «قائد المناطق المحررة» كما يصفه الإعلام الرديف لـ«الهيئة».

تأسست حكومة الإنقاذ أواخر العام 2017 عبر استنساخ نموذج يشمل «مجلس شورى منتخب من أهل الحل والعقد» مع حكومة بحقائب وزارية غير مستقلة عن صانع القرار خلف الكواليس، أي الجولاني نفسه.

استعان الرجل بالنخب المتاحة في إدلب سواء من المعروفين باعتناقهم أفكار الإسلام السياسي أو غير المؤدلجين، لكن مع وجود عامل مشترك بين الطرفين، هو الولاء للجولاني و«تحرير الشام».

تمكن ملاحظة قوة «الإنقاذ» بوصفها أكبر أداة بيروقراطية للجولاني عبر الاستحداث المستمر للوزارات والمديريات في معظم المجالات، مع تدعيم هذه المؤسسات بلوجستيات عالية، و«داتا» إدارية واسعة، وبرامج حاسوبية توسع فكرة الرقمنة وتعتمدها لتكون أداة حكومية من جهة، وأمنية من جهة أخرى.

انتقلت أجهزة الأمنية التابعة للجولاني إلى قمع المظاهرات بالعنف

جهاز «الأمن العام»

بينما تشكل «الإنقاذ» الواجهة المدنية الناعمة للجولاني، يُعد جهاز «الأمن العام» الذراع الخشنة لحكم المنطقة بالحديد والنار. يقود الجهاز أبو أحمد حدود الذي يُعد الرجل الثاني في «الهيئة»، ينحدر من ريف دمشق، وكان أحد «الجهاديين» الذين برزوا في منطقة القلمون. 

«حدود» هو الصورة الأمثل لنجاح فكرة الاعتماد الأمني على المهجرين، فقد استعان الجولاني بكثرٍ منهم، ولا سيّما أبناء مدن وبلدات ريف دمشق - باستثناء دوما التي يحسبها على «جيش الإسلام» - في ضرب معارضيه، بدءاً من تنظيم «جند الأقصى» وخلايا «داعش»، مروراً بـ«حركة أحرار الشام»، إلى «حركة نور الدين الزنكي» التي خاض معها آخر معاركه الكبرى عشية تكريسه السيطرة المطلقة على إدلب وبعض المناطق المتاخمة الأخرى.

بينما تشكل «الإنقاذ» الواجهة المدنية الناعمة للجولاني، يُعد جهاز الأمن العام الذراع الخشنة لحكم المنطقة بالحديد والنار

وفق مصدر من داخل «الهيئة»، يتعاون كثر من المهجرين المنتسبين إلى «تحرير الشام» مع «مكاتب الدراسات» وهي التسمية المتداولة للفروع الأمنية التي يديرها أبو أحمد حدود. ويزود هؤلاء مكاتب الدراسات بجميع المعلومات التفصيلية سواء التي تتعلق بزملائهم ضمن «الهيئة» أو الفصائل المقاتلة الأخرى، وصولاً إلى عموم سكان المنطقة.

مؤسسات ومنظومات مساندة

يدير الجولاني المنطقة وفق تلك الثنائية الحكومية/الأمنية. وعلى مدار السنوات الماضية، ومع نمو الثنائية واتساعها، دخل المئات من سكان المنطقة ومهجريها، سواء كانوا مقاتلين أو مدنيين ضمن المؤسسات التي تنضوي تحتها، لكن خلف هذه الأداة مجموعة من المؤسسات والمكاتب المرتبطة بها بشكل غير مباشر، وهي تشكل استكمالاً للبيروقراطية التي يستند إليها الجولاني.

من أبرز هذه الجهات «المكتب الشرعي» الذي يضم مختصين بالفقه وعلوم القرآن، وبحسب مصادر تعمل ضمن هذا المكتب، يتكون الأخير من 300 شرعي يديرهم القيادي في الهيئة مظهر الويس، المنحدر من المنطقة الشرقية، ويرتبط بعلاقات عشائرية قوية.

يتلخص عمل «الشرعيين» في إعطاء الدروس الفقهية لعناصر «الهيئة»، وإدارة المعسكرات الدعوية المغلقة، ومناصرة توجهات «الهيئة» وقائدها، وقد استخدم الجولاني ورقة الشرعية التي يمنحها له هذا المكتب خلال استقبال مجموعة من «طلبة العلم»، الاسم الذي يطلق عادة على المشايخ الشبّان، في أول أيام عيد الفطر الماضي.

كذلك جمع الجولاني طلبة العلوم الدينية ضمن هذه المؤسسة والمؤسسات القضائية، ويمكننا أن نلاحظ أنه اتبع النهج نفسه في تجميع معظم الناشطين الإعلاميين في إدلب، بهدف تأسيس بروباغندا تتكون من «منصات إعلامية معتدلة»، مع انحسار تأثير المنصات الرديفة.

في العام 2018 ترأس أبو اليسر براء المنحدر من الغوطة الشرقية رابطة الإعلاميين في الغوطة، وجراء التهجير، وبعد استكمال ترتيبات تأسيس المنظومة الإعلامية الجديدة الممولة من الجولاني، شغل براء مدير العلاقات العامة في رأس هرم هذه المنظومة: منصة «المبدعون السوريون» التي بدأت كشركة دعائية بعد حصولها على عقد حصري من «الإنقاذ» لاستثمار اللافتات الطرقية، ثم حاولت تجهيز فريق كبير لإطلاق فضائية، قبل صرف النظر عن هذا التوجه بسبب كلفته العالية.

بدءاً من 2021 بدأت المنصة النمو والاتساع لتتكون من مجموعة من المنصات الرقمية التي تعمل على استقطاب الجمهور بوسائل وأدوات ناعمة، مع إنكار تام - حتى وقت قريب - لكونها ممولة من «تحرير الشام». يعمل ضمن المنظومة الإعلامية الجديدة عشرات الإعلاميين، رغم أن الأجور التي تمنحها متدنية مقارنة بالوسائل الإعلامية الأخرى. وتدعم هذه المنظومة توجهات الجولاني ضمن خط فكري وإعلامي أحادي تغيب عنه المصداقية والمهنية.

الهيمنة الاقتصادية

هكذا، بدءاً من تأسيس شركة «وتد للبترول» في 2019، التي جرى حلها بعد ذلك، عمل الجولاني على تشكيل منظومة اقتصادية تسيطر حالياً على معظم مفاصل الاقتصاد والتجارة في إدلب، وانخرط في إدارة هذه المنظومة أكثر من شخص مقرب من الجولاني، مثل أبي أحمد زكور الذي انشق لاحقاً عن «الهيئة»، وأبي عبد الرحمن الزربة المنحدر من ريف حلب.

أيضاً تسيطر الهيئة عبر «المؤسسة العامة لإدارة النقد» على مجال تحويل الأموال وسوق الصرافة، في حين تحتكر المحروقات عبر شركات جرى إشهارها بعد حل «وتد للبترول».  ولعل «نماء للاستثمار» هي المؤسسة الاقتصادية الأكبر لـ«الهيئة» الآن، يديرها سلطان عبد الرحمن، وهو سوري درس في جامعة الملك سعود، وقد تجاوز صافي أرباحها منذ تأسيسها بداية 2021 مبلغ 23 مليون دولار.

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0