× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

سكان إدلب يشدّون الأحزمة... الجوع أقرب مما نتخيّل

حكاياتنا - خبز 29-08-2024

ارتفعت أسعار السلع الأساسية التي يحتاجها المواطن في الشمال السوري لضمان أدنى حدّ من العيش الكريم، ومنها أسعار السلع الغذائية، وسط تضخّم في معدلات البطالة في تلك المنطقة، ما هدد المواطن السوريّ بالرزوح تحت أنياب المجاعة. ورغم تضافر عوامل كثيرة في تردي الواقع الاقتصادي، يظل الأثر الأكبر مرتبطاً بالسياسات الاقتصادية التي تعتمدها سلطات الأمر الواقع

أخفق أبو حسان، أحد سكان مدينة إدلب شمالي سوريا، في ضبط الشؤون المالية للمنزل رغم الجهود الحثيثة التي يبذلها، إذ يشكو من التفاوت الهائل بين الدخل وحجم النفقات، في منطقة تسيطر عليها «هيئة تحرير الشام» التي تسببت سياستها القائمة على احتكار الموارد وضخ الرساميل الضخمة في مختلف القطاعات الاستثمارية المحلية، في ارتفاع نسبة الفقر وغلاء أسعار السلع.

يقول أبو حسان، الذي يعمل في مكتب لبيع السيارات ويتقاضى 100 دولار شهرياً، لـ«صوت سوري» إن راتبه كان قبل سيطرة الهيئة على محافظة إدلب يكفيه لشراء احتياجات المنزل الأساسية بالإضافة إلى بعض الكماليات، إذ كانت أسعار اللحوم والمواد الغذائية منخفضة مقارنة بأسعارها اليوم.

يضيف «تضاعفت الأسعار أكثر من 100% في السنوات الأخيرة. إذ هناك من يسيطر على السوق ويتحكم في أسعار السلع كافة، سواء المنتجة محلياً أم المستوردة...» ويلفت إلى أنّ «المعيشة هنا باتت أشبه بالمعيشة في تركيا، ولكن مع فارق كبير جداً في الأجور».

بورصة الأسعار

ارتفعت معدلات البطالة في الشمال السوري إلى 88.82% حتى شهر حزيران/يونيو الماضي، وسط ارتفاع لأسعار الغذاء منذ بداية العام الحالي وحتى حزيران بنسبة 36.3%، بينما يبلغ وسطي الأجور اليومية 80 ليرة تركية فقط (ما يعادل 2.40 دولار)، وفقاً لتقرير صادر عن فريق «منسقو استجابة سوريا».

وبمقارنة مع الأسعار قبيل سيطرة الهيئة على المنطقة، التي اكتملت في بداية العام 2019 بعد الإجهاز على آخر فصيل مناوئ، أي «حركة نور الدين الزنكي»، يمكن ملاحظة أن معظم السلع ارتفعت أسعارها بنسب تراوح بين 100% و300%.

مثلاً، كان سعر كيلوغرام الدجاج، الذي يعدّ الصنف الأكثر مبيعاً بين اللحوم، لا يتجاوز الدولار الواحد فقط، بينما بلغ سعره اليوم دولارين ونصف دولار. وكان يُباع الكيلوغرام الواحد من لحم الخروف بـ 4 دولارات، في حين يتجاوز سعره اليوم 12 دولاراً.

تنعم طبقة أمراء الحرب ومعها المقربون منها بالمال والسلطة والتحكم في المجال الاقتصادي، بينما تعيش النسبة الأكبر من المواطنين على الفتات

ارتفعت أسعار الخضار والفاكهة بصورة ملحوظة أيضاً، خاصة مع اتباع سياسة حظر المنتجات المستوردة التي انعكست إيجاباً على المزارعين مقابل عرقلة حصول المستهلك على حاجته من هذه المواد، التي قد يماثل الكيلوغرام الواحد من بعض أصنافها مثل الدراق والعنب أجر عامل المياومة عن 12 ساعة عمل مرهقة.

ارتفعت أسعار المحروقات بنسبة لا تقل عن 150%، منذ تأسيس «وتد للبترول» ثم تفكيكها لمصلحة شركات أخرى مثل «نماء للاستثمار» و«طيبة للمحروقات»، وجميعها شركات مملوكة من الهيئة أو مقربين منها، نظراً إلى سياسة احتكار مختلف أصناف المحروقات، سواء المحلية المستقدمة من مناطق شرقي الفرات أو المستوردة من السوق التركية.

وتتضافر عوامل عديدة في التردي الاقتصادي المهيمن على المنطقة، تضم فضلاً عن الجمود السياسي، أزمات متتالية نجمت عن «ظروف طبيعية» مثل جائحة كورنا / كوفيد19، وزلزالي شباط/فبراير 2023، على أنّ «واسطة العقد» تظل من نصيب السياسات الاقتصادية الاحتكارية التي تعتمدها «تحرير الشام».

التأقلم السلبي حلّاً

يلجأ سكان الشمال السوري الذين تقع نسبة تتجاوز 91% منهم تحت خط الفقر وفقاً لـ«منسقو الاستجابة»، إلى اتباع سياسة شد الأحزمة وأعلى درجات التقشف لمواجهة التضخم وجمود الأجور وزيادة معدلات البطالة.

تطبخ أم عبد الحميد، وهي خمسينية تقيم في شقة غير صالحة للسكن في مدينة معرة مصرين، وجبة الغداء كل يومين أو ثلاثة مع زيادة حضور الخضار أو الحبوب، وهما المكونان الرئيسيان لأي طبخة، مع حذف اللحوم من قائمة الطعام نهائياً.

تؤكد أم عبد الحميد لـ«صوت سوري» أنها تتعامل مع لحم الدجاج كنوع من الترف، إذ لا يُطبخ إلا مسلوقاً لتحصيل أكبر قدر ممكن من الفائدة منه، ولأن كلفة تحضير وجبة من الدجاج المقلي أو المشوي كبيرة جداً لا تتلاءم مع دخل ولدَيها المتزوجين اللذين يعيشان معها في المنزل نفسه.

يتجوّل أبو إبراهيم، وهو ستيني يقيم في بلدة حزانو شمالي إدلب، في السوق بحثاً عن الفاكهة والخضار الذابلة كونها أرخص ثمناً بمقدار النصف، وفقاً لحديث الكهل الذي يعمل سائقاً لسيارة عمومية لا تقلّ سوى عدد ضئيل من الزبائن بعد ارتفاع أسعار البنزين، مع «صوت سوري».

يؤكد أبو إبراهيم، الذي يشتري خضروات ذابلة وفاكهة منتجة محلياً لانخفاض أسعارها مقارنة بالمستوردة، أن «السوق لا ترحم الفقير، وتناول الفاكهة والخضار الطازجة بات ترفاً لمعظم السكان».

سلطات الأمر الواقع: «لا أرى، لا أسمع»

يزداد التضخم في الأسعار وتتسع رقعة البطالة، ورغم ذلك لم تقدّم السلطات التي تدير إدلب والمتمثلة بـ«حكومة الإنقاذ السورية» وهي الواجهة المدنية لـ«تحرير الشام»، حلولاً ملائمة للمشكلات المعيشية والاقتصادية المستعصية تحدّ من الأزمة التي تطبق الخناق على المواطنين.

يؤكد من تحدثنا إليهم من سكان معرة مصرين وإدلب وسرمدا أن «السلطة هي المسؤول الأول والأساسي عن الغلاء الحاصل، بسبب سياسة الاحتكار والتمييز التي تتبّعها»، إذ تنعم طبقة أمراء الحرب ومعها المقربون منها بالمال والسلطة والتحكم في المجال الاقتصادي، بينما تعيش النسبة الأكبر من المواطنين على الفتات.

كانت معالجة الواقع المعيشي على رأس مطالب الحراك الشعبي الذي ينشط ضد الهيئة وزعيمها أبو محمد الجولاني، ولكن الأخير لم يقدّم أي حلّ جاد للوضع المعيشي. من جهتها، تؤكد مصادر مقربة من الهيئة في حديث إلى «صوت سوري» أن الجولاني يسعى إلى افتتاح معبر سراقب والجزء الواقع تحت سيطرته من الأوتوستراد الدولي M4 (حلب – اللاذقية) لتصبح المنطقة وسيطاً بين السلع التركية مع مناطق سيطرة دمشق، كوسيلة لما يسميه «إنعاش المنطقة اقتصادياً». 

وبرغم أن فتح الأوتوستراد المذكور، إلى جانب أوتوستراد  M5 (دمشق-حلب-غازي عينتاب) كان جزءاً من اتفاقات روسية تركية أُبرمت منذ سنوات، فإنّ هذه الخطوة لم تجد طريقها إلى التنفيذ حتى اليوم، بفعل عوامل عديدة تتداخل فيها التجاذبات السياسية بين اللاعبين الفاعلين في الملف السوري، بمصالح سلطات الأمر الواقع، ومافيات الحرب المنتشرة في مختلف مناطق السيطرة في سوريا.