× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

صابون الغار الحلبي: حرفةٌ عمرها قرونٌ تُنازع البقاء

حكاياتنا - خبز 15-11-2024

بينما يُعَدّ ملف لترشيح صابون الغار الحلبي لدخول لوائح التراث الإنساني العالمي، يعاني حرفيو وصنّاع الصابون الأمرّين للاستمرار في الإنتاج مع الحفاظ على الجودة ذاتها، بما يضمن صون هذه الحرفة التقليدية، ويليق بختم الجودة «صناعة حلبيّة»، وما اكتسبته من شهرة عالمية.

على امتداد السنوات الماضية تأثّرت حرفة صابون الغار – شأنها شأن غيرها من الحرف التراثية – بتبعات الحرب والتردّي الاقتصادي، من ارتفاع أكلاف الإنتاج وأجور النقل، وتقطع الطرقات بين حلب وكلّ من عفرين وإدلب، المصدرين البارزين للمواد الأوليّة، ليتراجع عدد المصابن في حلب من 200 إلى ما بين 40 - 50 مصبنة. 

برغم هذا الواقع يستحيل المرور في أسواق حلب دون رؤية صابون الغار معروضاً في أماكن مختلفة، ويبقى منظر قطع الصابون مصفوفة بطريقة هندسية في سوق باب الفرج وسط المدينة الأكثر جذباً للزبائن. تتداخل رائحة الغار بروائح التوابل والأعشاب الطبية التي تباع في السوق ذاتها، وتمتد إلى بعض أسواق المدينة القديمة المجاورة، بعدما عادت الحركة نسبيّاً إلى بعض ما رُمّم منها كسوق السقطية وخان الحرير، وعاد صابون الغار إلى رفوف محالها.

«صحوة عالميّة»؟

يمتلك هشام جبيلي مصبنة في باب قنسرين بحلب القديمة، يعود تاريخها إلى نحو 800 عام. يتحدث جبيلي، وهو رئيس «لجنة صابون الغار في غرفة صناعة حلب» عن أبرز المعوقات التي تحاول دون إنتاج كميات كبيرة من الصابون، وخاصة ارتفاع تكلفة الإنتاج ولا سيّما المازوت. 
يقول جبيلي: «يفترض تخصيص المصابن بالمازوت قبل بدء الموسم في شهر تشرين الثاني، والسماح بتوريد زيت المطراف من مدينتي عفرين وإدلب برسوم مخفضة».

يُعد «زيت المِطراف» أهم مكوّنات الصابون، وهو الزيت المستخلص من عصر الزيتون (العصرة الثانية، بعد العصرة الأولى المخصصة للاستهلاك البشري). 

يضيف جبيلي «يوجد نحو 28 معمل بيرين في عفرين، يُفترض استثمارها بتشغيل المصابن عبر تأمين المواد الأولية بأسعار مقبولة، وهذا يمنع تحكم معامل حسياء الستة بالأسعار، والمساهمة بعودة أغلب الحرفيين الذين هاجروا إلى تركيا».

تعتمد صناعة «البيرين» على مخلفات الزيتون التي يبيعها أصحاب المعاصر بعد العصرة الأولى، تُنقل المخلّفات إلى المعامل، فتُكدّس وتُكبس كي تختمر، لأن التخمير يعطي اللون الأخضر لزيت المطراف (أو زيت العرجون بحسب تسمية أخرى) الذي يُستخدم في صناعة صابون الغار.

أيضاً؛ يشدد جبيلي على ضرورة منح المصابن تراخيص دائمة بدل المؤقتة ما يضمن تثبيتها في أماكنها، فالمصابن التي يتوزع معظمها في حلب على مناطق تاريخية وأحياء قديمة تُعد «منشآت تراثية وسياحية ولا يعقل تحت أي ظرف نقلها إلى المدينة الصناعية بالشيخ نجار كما هو مطروح»، و«هذا الإجراء الخاطئ يلغي تاريخاً عمره مئات السنين عند توقفها عن العمل، كما يتوجب اعتبارها حرفة وليست صناعة عبر إصدار قرار بتخفيض تصنيفها إلى الدرجة الثالثة أو الرابعة، ما يحل كثير من مشكلات هذه الحرفة ويقلل من كلف الإنتاج».

يعتقد جبيلي أن هناك «صحوة عالمية باتجاه صابون الغار»، لأنّه منتج طبيعيٌّ خالٍ من المواد الكيميائية، وهذه النقطة يتوجب استثمارها، وتذليل كل العقبات أمام الحرفة وحرفييها لتنعكس المنافع على الاقتصاد المحلي بمجمله عبر رفد الخزينة بالقطع الأجنبي حالَ عودة التصدير إلى سابق عهده.

الإنتاج بحدود دُنيا

شهدت السنوات الأخيرة إنشاء معامل حديثة في المدينة الصناعية بالشيخ نجّار لتصنيع صابون الغار، لكن تظل العراقة والجودة أكثر التصاقاً بأيدي العائلات الحلبية «التي توارثت هذه المهنة أباً عن جد في المصابن القديمة كعائلات جبيلي وفنصة وزنابيلي».

يعود تاريخ تصنيع صابون الغار في حلب إلى نحو ألفي عام، وقد توارثت عائلاتٌ هذه الحرفة وتموضعت مصابنُها في أحياء وأسواق المدينة القديمة، وعمرُ مبانيها مئات السنوات، إلى درجة أن رائحة الغار تبدو جزءاً أصيلاً من المكان. 

حسان زنابيلي، صاحب «مصبنة زنابيلي» في باب النصر، التي تعد من أقدم المصابن في حلب يشرح لـ«صوت سوري» أنّ مصبنته «تُنتج صابوناً طبيعيّاً كان يصدر بكميات كبيرة إلى جميع أنحاء العالم، لكن التصدير حالياً بحدوده الدنيا بسبب الحصار وعدم وجود تسهيلات كافية». ويضيف: «نضطر إلى تخفيض كميات الإنتاج، وتوجيه القسم الأكبر إلى السوق المحلية. الإنتاج الحالي لا يعادل ربع ما كان عليه قبل الحرب، لكننا مستمرون في الإنتاج للحفاظ على حرفة الصابون بحلب، وعلى اسم العائلة أيضاً».

يكرّر زنابيلي المطالب ذاتها التي تحظى بإجماع أرباب هذه الحرفة، وتُشابه مطالب معظم الحرفيين والصناعيين، من «وجوب تسهيل تأمين المواد الأولية وعدم الاضطرار إلى الذهاب إلى أماكن بعيدة لتأمين زيت المطراف والغار بأسعار مرتفعة، بينما يمكن التوريد من المناطق المنتجة كعفرين، وتأمين الكهرباء والمازوت، وتسهيل عمليات التصدير، عندها يمكن معاودة الإنتاج كالسابق».

أدّى تقطع أوصال الجغرافيا السورية، وتوازع السيطرة بين جهات مختلفة إلى الحدّ من التكامل الاقتصادي بين مختلف المناطق في سوريا، وبرغم أن مدينة حلب تمتاز بتصنيع الغار، فإنّ المواد الأوليّة لا تتوافر فيها بالوفرة المطلوبة، وعادةً ما كانت هذه تُشترى من عفرين (ريف حلب الشمالي، وتخضع راهناً لسيطرة قوات سوريا الديمقراطيّة، ومن إدلب (تخضع حالياً لسيطرة «هيئة تحررير الشّام»).

أين اليد العاملة؟

لا يقتصر الاشتغال بحرفة صابون الغار على الحافز المادي، ثمة جانب معنوي شديد الأهميّة هنا، فهذا الأمر «مرتبط باسم العائلة وتراث مدينة حلب»، كما يؤكد الشاب عروة زنابيلي العائد من مصر. يلفت عروة إلى أن «المنافسة قوية من الحرفيين السوريين الذين انتقلوا إلى تركيا، وينتجون الغار ويسوّقونه بأسعار جيدة نتيجة انخفاض التكاليف»، ما يجعل التفات الجهات الحكوميّة إلى وجوب دعم هذه الحرفة مسألة بالغة الأهميّة. 

كذلك؛ يلفت الشاب إلى «نقطة خطيرة تتعلق بتزوير وغش صابون الغار عبر دمغ أسماء العائلات المعروفة وإنتاج صابون منخفض الجودة والسعر في تعدٍّ واضح على حقوق الملكية»، مشدداً على ضرورة القضاء على هذه الظاهرة عبر «تشديد الرقابة ومحاسبة المخالفين بغية حماية حقوق المالكين والحفاظ على سمعة صابون الغار الحلبي داخلياً وخارجياً».

فيما يشرح الحرفي عبد الله الزعيم أنّ «غلاء مستلزمات الإنتاج أجبر كثيراً من أرباب الحرفة على العمل بالمصانعة (الإنتاج لصالح تجار) للاستمرار».
يؤكد الزعيم أن «أكبر مشكلة تواجه صابون الغار عدم رغبة الشباب في العمل بهذه الحرفة الموسمية، إذ يفضلون مهناً تحقق أرباحاً أكبر، ويزيد الطين بلة قلة اليد العاملة الخبيرة التي هاجرت تحت ثقل الحرب والضغوط الاقتصادية».

مجمل الصعوبات دفعت بعض معامل الصابون للتوجه نحو إنتاج أنواع «أكثر ربحية وأقل تكلفة كالصابون المعطر». مع ذلك فـ«حرفة صابون الغار لا تنقرض، لكنها بحاجة إلى دعم كبير لاسترجاع مكانتها»، يقول الزعيم.

بدوره لا يبدو محمد حازم ميرة متشائماً. يراهن الرجل، وهو صاحب معمل لإنتاج صابون الغار ومحلّ لبيعه، على «إصرار أصحاب المصابن على مواصلة الإنتاج». يقول «اليوم يوجد طلب داخلي وخارجي على صابون الغار، فكل دول العالم تطلب هذا المنتج الطبيعي، والسوق المحلية أيضاً، لكن الأسعار تتفاوت تبعاً للجودة وقدرة الزبائن». 

يوضح ميرة أنّ بعض أرباب الحرفة، ورغم كونها تراثية، «يراعون مواكبة العصر والحداثة عبر إدخال الآلة في التصنيع بما يخفف الوقت والجهد والتكلفة المرتفعة».

موجز التصنيع اليدوي

تبدأ العملية بوضع مقدار من زيت المطراف في وعاء كبير توقد تحته النار، ويضاف إليه الماء وماءات الصوديوم. يُحرك المزيج يدويّاً إلى أن يصل مرحلة الغليان، وقد تستمر هذه العملية يوماً أو اثنين، لضمان تفاعل المكونات، وحين يتجانس القوام في أواخر مرحلة الغليان يضاف زيت الغار، ثم يُترك المزيج ساعات طويلة إلى أن يرقد. بعدها يُسكب المزيج اللزج على مشمّع ممدود فوق سطح مستوٍ، بغية تبريده وتصلّبه، وقد تتطلب المرحلة 20-30 ساعة تبعاً لدرجة برودة الطقس.

بعدها، ينتعل العمال أحذية خاصة من الخشب، ويمشون فوق المزيج بينما يُقطّعونه إلى مكعبات متساوية الحجم، ثم تأتي مرحلة دمغ ألواح الصابون بختم المصنع يدويّاً مع أرقام توضح نسبة زيت الغار في الطبخة. بعدها تُصفّ ألواح الصابون بطريقة تسمح بمرور الهواء عبرها، لتنشيفها بشكل طبيعي، وقد تتطلب هذه المرحلة أكثر من ستة أشهر، تتبخر خلالها بقايا الماء ويصلُب الصابون، فيتغير لونه الخارجي، بينما يظلّ داخله أخضر اللون.

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0