كميل أبو الطيب
في صبيحة الثامن من كانون الثاني/ ديسمبر وبعيد سقوط نظام الأسد بساعات دخل زعيم «هيئة تحرير الشام» أبو محمد الجولاني إلى دمشق، ليسجد فيها ثم يزور الجامع الأموي.
قبلها بأيام قليلة كان الجولاني قد اعتمد اسمه الحقيقي: أحمد الشرع، في مقدمة لتكريس نفسه «قائداً للتحرير». والإطاحة بالنظام الذي استمر بالحكم عقوداً متتالية.
حكومة «مؤقتة» بصلاحيات مفتوحة!
كان شكل سقوط النظام لافتاً في دراماتيكيته، وفي انهيار جيشه وميليشياته وتخلي حلفائه الأقرب عن حمايته وحماية دمشق معه. أسهمت هذه العوامل في ترسيخ صورة الشرع «بطلاً ذا حنكةٍ»، رغم أنّ كثيراً من السوريين لم يكونوا يعرفون عنه سوى ما سمعوه في الأخبار والصحف والمواقع الإلكترونية.
بطبيعة الحال، كان الخوف حاضراً بشدّة، وقد عكسته أفواج الهاربين من المدن، من حلب، وحماة، وبشكل أكبر من حمص، ودمشق، فـ«الإنسان عدو ما يجهل».
سارع الشرع، وكان حينها يحمل صفة «قائد إدارة العمليات العسكرية» بتشكيل حكومة لتسيير الأعمال، ومن المفترض أنها «مؤقتة». وبعد مرور ثلاثة أشهر تبدو صلاحيات الحكومة أكبر بكثير من التصورات التي كانت سائدة حينها، إذ اتّخذت قرارات بنيويّة عميقة التأثير في مختلف القطاعات، من القضاء إلى التعليم، إلى الصحة، وغيرها، والقاسم المشترك الأبرز هو تسريح، وتجميد عشرات آلاف الموظفين.
يُضاف إلى ذلك ما أفرزته «الحملات الأمنية» المستمرّة حتى اليوم من انتهاكات وتجاوزات، وصلت حدّ ارتكاب مجازر في بعض القرى والبلدات، وحُمّلت مسؤوليتها لـ«تجاوزات فردية»، و«مجموعات منفلتة»، ودائماً مع ذريعة «التصدي للفلول».
«شرعيّة خارجية»؟
بعيداً عمّا يدور داخل البلاد، كانت الصورة الخارجيّة «مثاليّة»، رغم أن العمود الأساس للإدارة الجديدة («هيئة تحرير الشام») لا تزال مصنّفة في لوائح الإرهاب.
زيارات ووفود عربيّة ودوليّة، لقاءات خارجيّة ومشاركة في مؤتمرات، ثمّ نشاطات رئاسيّة بعد أن حظي الرجل بصفة «رئيس الجمهورية العربية السورية»، في مؤتمر «إعلان انتصار الثورة»، ليتوّج كل ذلك أخيراً بمشاركة الشرع في القمّة العربية في القاهرة قبل أيام.
يأتي ذلك فيما يكاد الموقف الأميركي يكون منفرداً في الحفاظ على مسافة واسعة مع الإدارة الجديدة، تصل حدّ عدم الاعتراف بشرعيّتها، والتذكير بالتصنيف على «لوائح الإرهاب» في مناسبات عديدة.
في «الإيجابيات»
ثمّة إيجابيات في تعيين الشرع رئيساً مؤقتاً للبلاد، كما يرى الخبير الحقوقي علي أحمد، الذي يقول: «هذا عين الصواب، لأنّ الشرع هو الاسم الأبرز في الشارع بعد سقوط الأسد، ولأنّه جنب البلاد فراغاً رئاسياً كان يمكن أن يمتد سنوات، وبالمطلق السياسي وجود أي رئيس أفضل من الفراغ».
يكاد الموقف الأميركي يكون منفرداً في الحفاظ على مسافة واسعة مع الإدارة الجديدة، تصل حدّ عدم الاعتراف بشرعيّتها، والتذكير بالتصنيف على «لوائح الإرهاب» في مناسبات عديدة
أما الأكاديمي في العلوم الدبلوماسية صالح محمد، فيرى أنّ «الشرع يسير بخطوات صحيحة، فهو شكّل حكومة تصريف أعمال بمعزل عن تجاوز دورها، ولكنّه الآن على وشك تشكيل حكومة انتقالية جامعة، والشروع بالتحضير للدستور وكلّ ذلك لا يجب أن يحصل مع فراغ في رأس الدولة».
يشير محمد إلى أن الشرع «براغماتيّ تمكّن من مسايرة كلّ الأطراف، وإيجاد توازن فعليّ بينها». ويتابع: «قرار حلّ مجلس الشعب، وتعليق العمل بدستور 2012، وحل حزب البعث العربي الاشتراكي وبقية الأحزاب المنضوية تحت مسمى الجبهة الوطنية التقدمية، وحل جميع الفصائل والأجسام العسكرية والسياسية الثورية وضمّها تحت راية الدولة، ومن بينها هيئة تحرير الشام، تشي بأنّ الرجل يعرف أين يسير وأين يضع خطاه، سواء أكان ذلك التدبير منه شخصياً أم منه وفريقه المحيط به أو مع استشارات ونصائح خارجية، لكنّ النتيجة واحدة».
فماذا عن السلبيّات؟
لا شكّ في أن حجم التعقيدات في المشهد السوري أكبر من أن يُحلّ في زمن قياسي، سواء ما يتعلق بالتناقضات داخل البلاد، ووجود قوى مختلفة تسيطر على الأرض، كما في الجنوب السوري، وفي شمال شرق البلاد، أو ما يرتبط بالتدخلات الخارجيّة وعلى رأسها الاحتلال الإسرائيلي الذي لم يتردد في توسيع رقعة الاحتلال، ولم تتوقف اعتداءاته، وتدخلاته وتصريحاته التي وصلت حدوداً غير مسبوقة مع زعم استعداده للدفاع عن سوريين، في وجه سوريين آخرين.
على أن كلّ ما تقدّم من تحديات وتهديدات وجودية يتطلّب أوّل ما يتطلب إيجاد أسس توافقات وطنيّة في الدرجة الأولى، سواء حين يتعلق الأمر بالعقوبات الخارجية والتصنيف على لوائح الإرهاب، أو بمجابهة «إسرائيل». هذه المجابهة التي لا يختلف عاقلان على أنّ حواملها الفاعلة يصعب أن تكون عسكريّة في ظل انعدام توازنات القوى، مع ما يفرضه ذلك من إيجاد حوامل أخرى يشكّل الرهان على الداخل حجر زاوية أساسيّاً فيها.
لكن، هل يحظى هذا «الحجر» بالصلابة المطلوبة؟ وهل يمكن الرهان عليه في ظل استمرار التجاوزات والانتهاكات على الأرض، والإصرار على «مسرحة» قضايا جوهرية مثل «الحوار الوطني» والإعلان الدستوري، بينما يتسمر العجز الاقتصادي الذي جاء إرثاً ثقيلاً من الحقبة السابقة، لكنّه تفاقم بشكل هائل في ظل الاعتباطيّة التي يُدار بها الملف حتى الآن؟ وهل يُمكن بناء دولة والحفاظ عليها بالاعتماد على «كاريزما الرجل الواحد» التي قد يكون رصيدها أقل بكثير مما يُروّج له؟
لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها
This work
by
SOT SY
is licensed under
CC BY-ND 4.0