× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

السياسة «رجسٌ من عمل الشيطان».. فاجتنبوها!؟

عقل بارد - على الطاولة 03-04-2025

الأمر الواضح تماماً أن الناس يلجؤون إلى التجمع من أجل الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم. وفي عملية التجمع هذه أمامهم أحد طريقين: التجمع على أسس طائفية ودينية وقومية وعشائرية وإلخ، أو التجمع على أسس سياسية واقتصادية وفكرية. وفي حال إلغاء الحياة السياسية، تحت أي ذريعة كانت، سيسود الشكل الأول من التجمع

الصورة: (من مؤتمر إعلان النصر في 29 كانون الثاني-يناير / وكالة سانا)

انطلقت في العام 2011 نغمةٌ موحدةٌ في أوساط المنظمات غير الحكومية وضمن أوساط حزبية سياسية؛ وسرعان ما سادت لسنوات تالية. نغمةٌ تنادي بضرورة تحييد وفصل العمل السياسي عن العمل المدني. ومضت بعض الأصوات شوطاً طويلاً أبعدَ من مجرد «التحييد»؛ ليغدو التخوين المتبادل وتراشق الاتهامات - بوجود أسس وبدونها - أمراً مستساغاً وسهلاً لدى جزء صغير بطبيعة الحال وليس لدى الأغلبية من العاملين في الشأن السياسي أو المدني. 

(كتبتُ في «صوت سوري» قبل أربع سنوات حول الموضوع بعنوان: حول «العداء» بين المنظمات والأحزاب السورية، ولكن الموضوع اليوم يعود بصيغة جديدة).

في تلك المرحلة، أي في السنوات الأولى كان وارداً إيجاد بعض التفسيرات المنطقية لمحاولات الفصل التعسفي الحاد بين المدني والسياسي؛ فالمدني وقتذاك كان بالدرجة الأولى إغاثياً، وحين يتعلق الأمر بإغاثة إنسانية، فمن المفهوم والمبرر والطبيعي أن تخضع المنظمات لمعايير صارمة تعلي قيمة الإنسان بوصفه إنساناً، وبغض النظر عن اصطفافه السياسي؛ فالمصاب والجريح وفاقد المأوى والمحتاج لخيمة وسلة غذائية تقيانه البرد والموت جوعاً، هو «إنسان، وفقط» من وجهة النظر الإنسانية العامة، وبغض النظر عن اصطفافه السياسي. لذا، يغدو من الإنساني والمنطقي تماماً تحييد المحسوبية السياسية عن عمل منظمات الإغاثة.

لكنّ المشكلة تنشأ حين يجري تعميم هذه البداهة المتعلقة بالعمل الإغاثي على العمل المدني بأكمله، رغم أنه أوسع بكثير من الاستجابات الطارئة ذات الطابع الإغاثي المؤقت. والحقيقة أن المنظمات نفسها، وأحياناً الأشخاص العاملون ضمنها، قد عاشوا هذا التناقض مع تقدم سنوات الحرب، ومع ظهور احتياجات متعددة ذات طابع أكثر استدامة وأطول بقاءً؛ ولذا رأينا في السنوات الأخيرة أن قسماً من المنظمات غير الحكومية انتقل تدريجاً نحو أنماط مختلفة من العمل. على سبيل المثال، بدأت منظمات متعددة بالعمل على «المقاومة المجتمعية»، و«الدراسات والأبحاث» و«اللاعنفية» و«تمكين المرأة» وحتى «التمكين السياسي»، بالتوازي مع مرحلة سادت فيها ثيمة «التعافي المبكر». أي أن منظمات وأشخاص كانوا قبل سنوات يرفضون أي حديث عن العمل السياسي وضرورته، باتوا هم أنفسهم مدربين في مجالات التمكين السياسي.

الذرائع لا تقف عند حدود «من يحرر يقرر»، بل تتعداها إلى محاولة ضبط العمل السياسي «تحت سقف الدولة»، بالطريقة التي اشتغل عليها النظام السابق

على المقلب الآخر، أي من وجهة نظر الأحزاب والقوى السياسية، تدرجت المواقف من المنظمات غير الحكومية، من محاولات التشويه والتخوين والاتهامات المحقة أحياناً وغير المحقة في معظم الأحيان بالارتباط بالخارج والتبعية له عبر التمويل، إلى مواقف أكثر اعتدالاً نظرت إيجاباً إلى دور هذه المنظمات، وخاصة في المجال الإنساني. اللافت أن السمة العامة لهذه المواقف بدورها، كانت ميالة باتجاه فصل السياسي عن المدني، ودعوة المدني إلى البقاء ضمن الحدود الإغاثية والمحلية دون العبور باتجاه طرح برامج شاملة على مستوى البلاد.

هذه المواقف نفسها، تبدلت مع الوقت، وبات من غير المفاجئ أن نرى مؤتمرات واجتماعات ونشاطات وحتى تحالفات تضم السياسي والمدني جنباً إلى جنب، سواء في نقاش القضايا التقنية التفصيلية، أو في نقاش القضايا العامة ذات الطابع السياسي البحت. وهذا في رأيي الشخصي هو الاتجاه الصحيح؛ أي اتجاه التعاون والتفاعل الإيجابي القائم على الاحترام، وحتى الود، بين القوى السياسية والمنظمات، لأن البلاد تحتاج أكبر قدر ممكن من تجميع الجهود.

فلنقتل السياسة عبر الهجوم على الأحزاب!

إذا تركنا النوايا جانباً، الإيجابية منها والسلبية، سنلاحظ على أرض الواقع أن التناقض بين الأحزاب والمنظمات هو بالفعل في طريقه إلى الحل. مع ذلك، ثمة تناقض جديد يحتل الآن - وبالتدريج - موقع الصدارة؛ تناقض بين السلطة الجديدة ومؤيديها من جهة، في مقابل كل عمل مستقل عنها في الشأن العام، سواء كان سياسياً أو مدنياً، وعلى الخصوص إذا كان سياسياً.

الذرائع التي يجري سوقها لا تقف عند حدود مقولة «من يحرر يقرر»، بل تتعداها إلى محاولة ضبط العمل السياسي «تحت سقف الدولة»، بالطريقة ذاتها من حيث الجوهر التي اشتغل عليها النظام السابق.

ولتخديم هذه الغاية، يجري إنتاج أفكار محددة وترويجها وتكرارها بشكل كثيف في وسائل الإعلام وعبر منصات التواصل الاجتماعي؛ أفكار من قبيل: «الأحزاب لم تفعل شيئاً ولذا لا يجوز السماح لها بلعب أي أدوار الآن، أو أن تستفيد من ثمار ما جرى»، «الأحزاب قائمة على المصالح الشخصية لأصحابها ولا تخدم الناس»، «الأحزاب خشبية ومتخلفة ومعزولة عن الواقع»، «ينبغي إعطاء الإدارة الجديدة الفرصة الكافية وعدم التشويش عليها عبر الأحزاب»، «وجود أحزاب غير خاضعة للسلطة الجديدة يكرس انقسام البلاد، والمطلوب الآن توحيدها»... وإلخ.

فتح الباب أمام تطور الحياة السياسية في البلاد يسمح بتجميع السوريين والسوريات بوصفهم أبناء بلد واحد، بدل نكوصهم إلى جماعات وطوائف و«مكونات»

إذا أراد المرء أن يكون موضوعياً حتى النهاية، ينبغي الإقرار بأن هذه الأفكار ليست بلا أساس نهائياً، بل إن بعضها فيه قدرٌ من الوجاهة والصحة، ولكن طرحها بهذا الشكل مدمرٌ وضار إلى أبعد الحدود

من الصحيح أن هناك انفصالاً كبيراً بين معظم - وربما جميع - القوى السياسية، وبين الشارع السوري. لكن هل هذه نتيجةٌ مفاجئة؟ هل من المنطقي أو العقلاني أن نتوقع وجود حركة سياسية قوية ومرتبطة بالناس في يوم وليلة بعد 67 عاماً من محاصرة الحياة السياسية في البلاد والتضييق عليها؟ أي ابتداءً من حل جمال عبد الناصر الأحزابَ في 1958، ومروراً بعمليات القمع الواسع والمتواصل لها طوال عقود على يد النظام السابق؟

القمع وحده لا يفسر كل شيء بطبيعة الحال؛ فالأحزاب نفسها تتحمل أيضاً قسطاً من المسؤولية التاريخية في الابتعاد عن الناس؛ سواء منها تلك التي قبلت أن تعمل «تحت سقف النظام»، أو التي انتقلت إلى مواقع المعارضة الحادة النخبوية الطابع، التي مارست الجزء الأعظم من نشاطها في ثلاثة أماكن أساسية: في السجون والمعتقلات، وعلى المقاهي وفي البيوت السرية والمغلقة، وخارج البلاد.

شكلان للتجمع

من سمات المراحل الانتقالية في التاريخ أن أحزاباً سياسية، بل وقوى اجتماعية بقضها وقضيضها، تتنحى عن مسرح التاريخ، وبالأحرى تجري إزاحتها. لكن في الوقت نفسه تنشأ قوى وأحزاب جديدة تضم في صفوفها القادرَ على التكيف من القوى السابقة، والجديد الناشئ الذي يدخل مسرح التاريخ للمرة الأولى.

الهجوم على القوى والأحزاب والمنظمات ليس أمراً سلبياً بالكامل في حال كان موجهاً نحو تحييد القديم المتكلّس منها، غير القادر على التكيف والتطور، وتشجيع ظهور الجديد الناشئ. لكنه يتحول إلى شيء ضار تماماً حين يصبح غرضه هو إلغاء الحياة السياسية بأكملها تحت ستار الهجوم على الأحزاب.

الأمر الواضح تماماً أن الناس يلجؤون إلى التجمع من أجل الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم. وفي عملية التجمع هذه أمامهم أحد طريقين: التجمع على أسس طائفية ودينية وقومية وعشائرية وإلخ، أو التجمع على أسس سياسية واقتصادية وفكرية. وفي حال إلغاء الحياة السياسية، تحت أي ذريعة كانت، سيسود الشكل الأول من التجمع. هل فكر من يهاجمون السياسة وعمل المنظمات بمعنى ذلك؟ معناه واضح وملموس: تقسيم السوريين وإضعافهم وإنهاكهم بشكل إضافي، بل وفتح أبواب تجديد سيلان الدماء وحتى التقسيم. هل يعتقد من يدافعون عن السلطة أن إلغاء السياسة يحصنها ويحميها؟ أعتقد أن هذا وهم قاتل.

في المقابل، من شأن فتح الباب بشكل فعلي لتطور الحياة السياسية في البلاد، أن يسمح بتجميع السوريين والسوريات بوصفهم أبناء بلد واحد، يعانون الأزمات نفسها والمشكلات نفسها، ولا يمكنهم حلها دون أكبر قدر من التعاون في ما بينهم.

خلاصة ما أريد قوله: إن محاولات قتل السياسة بحجة انتقاد الأحزاب، ومحاولات قتل العمل المدني بحجة التبعية للخارج، لن تخدم لا السلطة ولا الشعب ولا البلاد، ولكنها ستُضعفنا جميعاً!

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0