× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

أحلام قيد التحقّق.. تضحيات للفوز بلقب «المرأة الصالحة»

حكاياتنا - ملح 04-05-2025

نعم؛ لقد أخطأتُ في تقدير ذاتي، وجعلت همي الأوحد «الخوف من كلام الناس»، كيلا أكون في نظرهم الزوجة غير المخلصة والأم الأنانية والأنثى المتمردة.

الرّسم مولّد باستخدام الذكاء الاصطناعي

«ما السر في كونك دائمة التفكير، كثيرة الشرود؟ أأنت مهمومة؟»، سألتني تلك الفتاة المشبعة بثقافة الحياة. تابعت: «هل سبق وأثّرت أنثويتك المفرطة وأنت الأستاذة الجامعية والزوجة والأم في فقدانك بعض الفرص المهمة في هذه الحياة الملوثة بغبار طغيان الذكورية؟».

أجبتها وبكل ثقة: «لا، لأن كينونتي لا تسمح لمخلوق أن يهز مسيرتي بوصفي فتاة تملك شخصيةً واثقة، وتحصيلاً علميّاً عالياً بنيتُه عاماً بعد عام، ولا يستطيع إنسانٌ أن يفنّد أكذوبة الاستقلالية التي أغلّف عقلي بها».

سادت لحظات من الصمت في تلك البلاد البعيدة، في غرفتنا الجميلة التي سكنتها خلال رحلتي الأخيرة إلى موسكو، تبعها شعور بالطمأنينة، فقد طمأنت إجابتي تلك الفتاة التي تملك قدرة خاصة على تحويل أي موقف، وأي حديث، وأي شيء إلى دعابة. إنها فتاة «مهضومة» حقاً! إنها صديقتي الآن، هي التي استطاعت أن تقرأ حزني وأسفي الشديدين من اللقاء الأول، أو ربما من المصارحة الأولى.

ظننتُ أوّل الأمر أنني فهمتُ السؤال وأتقنتُ الإجابة، ومرت أيامٌ معدودة، ليتجدد الحديث بيننا خلال رحلتنا الطويلة التي امتدت اثنتا عشرة ساعة في مقطورة القطار المزعجة. قالت صديقتي بنبرة حادة: «إذاً كيف قلت لي إنك لم تخسري الفرص لأنك امرأة، لم تضحي بما تملكين لتحصلي على لقب الزوجة الصالحة، لم تؤجلي أولوياتك كونك الأم التي جعلتها أمومتها تضحي كثيراً لأنها امرأة فقط؟».

نعم؛ لقد أخطأتُ في تقدير ذاتي، وجعلت همي الأوحد «الخوف من كلام الناس»، كيلا أكون في نظرهم الزوجة غير المخلصة والأم الأنانية والأنثى المتمردة.

أيقنَتْ صديقتي أن أحلامي المتواضعة كانت لتُصبح حقيقةً هكذا بلمحِ البصر..  لو تخليتُ عن الاقتداء بالواجب لأحظى بلقب المرأة الصالحة مرةً واحدةً فقط

اكتشفتُ حينها أنني لم أفهم سؤالها جيداً، اعتقدتُ أنها تسأل عن فقداني للفرص في العمل بفعلِ الآخرين لكوني امرأة، لكنها قصدت أبعد من ذلك، فتضحياتي «المتواضعة» قد تجلب الدموع لعيني أي امرأة عندما تسمع عنها، هي التضحيات التي أخشى البوح بها لأنني امرأة، فمن سيفهم أنها تضحية؟ ومن سيعرف أنها حربُ وجود؟ ومن سيصدق أنها معركةٌ مع الذات؟ لا أحد - كما أظن -  فهي في نظرِ الجميعِ واجباتُ المرأة، وما أكثرَ تلك الواجبات! أكرهُ هذه الكلمة.. «واجب».

عرِفَتْ صديقتي في نهاية المطاف أن الواجبَ جعل سيارتي الجميلة الصغيرة المركونة على حافة الطريق، هي الحافلة الوهمية التي أجمع فيها نقودي الكثيرة من أعمالي المتعددة دون توقف لكن بلا جدوى، وأن منزلي الشاعري الفخم الذي ينبغي أن يناسب وضعي الاجتماعي والعلمي في هذه المدينة الحزينة ليس إلا صورةً محشوةً في الدماغ لبيتٍ جميلٍ يشبه ذلك الذي نراه في مسلسلاتِ الطبقةِ المخمليةِ، وأن طفلتي الصغيرة مشروعٌ قائمٌ مع وقف التنفيذ «إلى أن يأتي الفرجُ من ربِّ العالمين».

أيقنَتْ صديقتي حينها أن أحلامي المتواضعة كانت لتغدو حقيقةً هكذا بلمحِ البصر.. بطرفةِ عين، لو تخليتُ عن الاقتداء بالواجب لأحظى بلقب المرأة الصالحة مرةً واحدةً فقط، ولو، ولو...إلخ، إلا أن «لو» في الحقيقة مجرد حرف شرطٍ غير جازم، لا محل له من الإعراب!

ولكن، أستطيع اليوم أن أجمع شتات أفكاري وأستعيد توزان قواي العقلية والعلمية والنفسية لأواصل تحقيق طموحاتي التي بدأتها قبل أعوام، شيء ما في داخلي يدفعني للنهوض من جديد: هيّا أيتها البقعة الرمادية في قلبي ارحلي دون عودة، هيّا أيها العقل الثقيل ارتشف بضع قطرات من القهوة الساخنة اللذيذة وأضف إليها بعض السكر لتعيد ترتيب أولوياتك، هيّا أيتها الواجبات فلتغادري دون رجعة، فقد آن الأوان أن تَطْمَئِنَ نفسي وأن يهدأَ بالي وأن يتوقفَ عقلي عن التمني، فالوقت لي والعمر قصير فاغتنميه يا نفسي وابعثي أحلامك الوردية إلى الوجود.

♦ د.رولا أحمد: عضو هيئة تدريسية في قسم الإعلام الإلكتروني- كلية الإعلام- جامعة دمشق

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0