× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

الإعلان الدستوري السوري: الخطر في ما غاب، لا في ما حضر

عقل بارد - على الطاولة 12-05-2025

يمكن اعتبار «الإعلان الدستوري» السوري واحداً من من أفضل الوثائق الدستورية السورية لأسباب كثيرة، لكنه نصّ يعاني من ثغرات معقدة وخطيرة، وما لم يُعمل على تلافيها عبر تعديلات سريعة، وإيجاد مخارج لبعض القضايا الملحة فإننا سنواجه معضلات حقيقية نحن في أمس الحاجة إلى تحاشيها

الصورة: (رئيس المرحلة الانتقالية يتسلم نص الإعلان الدستوري / AP - عمر البم)

كُتب، وقيل الكثير عن مضمون «الإعلان الدستوري». تباينت الآراء في ما تضمّنه – وهذا طبيعي – لكنّ ما لم يلتفت إليه أحد هو ما لم يتضمّنه الإعلان، وأعني تحديداً ما كان ينبغي أن يُنصّ عليه بوضوح، تحاشياً لمشكلات وعقبات مستقبليّة تبدو حتمية، ما لم تُدخل بعض التعديلات وتُسد بعض الثغرات.

من دون أدنى شك، ستحضر الوثيقة الدستورية التي كرّسها «الإعلان الدستوري الثاني» في كل حدث سياسي مهم تواجهه البلاد خلال المرحلة الانتقالية، وستعود النقاشات الدستورية، قانونياً وسياسياً، للحضور بقوة. 

سنرى حواراً دستورياً عند تشكيل مجلس الشعب، وعند تشكيل المحكمة الدستورية، وربما بعد إنجاز الاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية، وعند طرح قانون الأحزاب والمجتمع المدني، وعند وضع آلية كتابة الدستور الدائم، وإلخ.. غير أن الاستعجال في كتابة الإعلان تركه عرضة لهفوات كبيرة قد تؤثر في جوهره أولاً، وفي آليات تنفيذه ثانياً. نستعرض أهم هنا ما غاب عن الإعلان، وهو يؤثر، حسب ظني، في الجوهر والآليات.

أولاً، غابت كلمة «الديمقراطية»، وقد تحدث كثرٌ عن هذا الغياب، غير أن الخطر الأهم يتجلى في غياب تحديد مصدر السلطات وصاحب السيادة. عادة ما تطرح الدساتير قضية «سيادة الشعب» عبر ذكر أن الشعب هو مصدر السلطات، و/أو أن الشعب من يُحكم لصالحه ومن خلاله، ثم يكرس ذلك عبر آليات ديمقراطية تتضمن الانتخاب. غير أن غياب الإشارة إلى «سيادة الشعب» من جهة، وإلى الديمقراطية من جهة أخرى، يقود إلى التفكير في مصدر آخر للسلطات. قد يتعقد هذا الأمر إذا أخذنا في الاعتبار «الإعلان الدستوري الأول»، المتمثل بقرارات «مؤتمر النصر» الذي اعتبر نفسه، بوصفه جهة ثورية، مصدر السلطات، ثمّ فوضها للرئيس بشكل كامل. بالتالي، من شأن مقررات «مؤتمر النصر»، ومع انعدام الإشارة في «الإعلان الدستوري» إلى مصدر السلطات، وإلى الديمقراطية، من شأن كل ذلك أن يجعل من الرئيس مصدر السلطات جميعاً. في حقيقة الأمر، هذا هو الخطر الأكبر، والأهم المرتبط بـ صلاحيات الرئيس، التي عادة ما تكون واسعة في المرحلة الانتقالية. إذاً الخطر في ما غاب، لا في ما حضر.

ثانياً، ثمة ثغرات تتعلق بالآليات. عملياً نزع الإعلان صلاحيات التشريع من يد الرئيس، في سابقة مهمة منذ أن سيطر البعث على الحكم في البلاد. إلا أن هذا سيتسبب بمعضلة قانونية أساسية، تتعلق بالقانون الانتخابي الذي سيحكم عمل اللجنة الانتخابية، الذي سيكون القاعدة الأساسية في انتخاب أعضاء مجلس الشعب. صحيح أن القوانين ما زالت قائمة، لكن لا يمكن في حال من الأحوال اعتماد القانون الانتخابي السابق في عملية انتخابية تتطلب هيئة ناخبة، وتعيين الثلث. فما هو حجم مجلس الشعب؟ وما عدد وحجم الدوائر الانتخابية التي ستعتمدها اللجنة؟ وما هو النظام الانتخابي الذي سيُعتمد (نسبي، مطلق، مختلط؟) بالتالي، ليس لدينا مجلس تشريعي لكتابة القانون، ولا يستطيع الرئيس إصدار أي تشريع، وهنا سنقع في فراغ دستوري كبير لا أدري كيف نحلّه! كان من الأولى أن يحدد الإعلان النظام الانتخابي المطلوب، أو أن يمنح الرئيس صلاحية التشريع إلى حين إجراء أول انتخابات لمجلس الشعب، شريطة أن تكون هناك مهلة واضحة لذلك، وهذا أمر غائب هنا، ليعود الخطر في ما غاب، لا في ما حضر.

ثالثاً، غياب المهل. يكاد الإعلان الدستوري يخلو من أي مهلة محددة أمام السلطات التنفيذية والتشريعية. عل سبيل المثال، تكلف المادة 24 الرئيس تشكيل لجنة لاختيار أعضاء مجلس الشعب، على أن تشرف هذه الهيئة على تشكيل هيئات ناخبة في المحافظات تنتخب ثلثي أعضاء المجلس. غير أن هذه العملية غير محددة زمنياً. فلا نعرف متى يتعين على الرئيس تشكيل اللجنة، ولا الزمن المحدد لإنهاء العملية برمتها. المشكلة هنا، ومع عدم منح الرئيس أي صلاحيات تشريعية (توافقاً مع النظام الرئاسي) أننا قد ننتظر طويلاً قبل الشروع في أي إصلاحات قانونية، تحتاجها البلاد بشكل حاسم. إذاً الخطر في ما غاب، لا في ما حضر!

ما حجم مجلس الشعب؟ وما عدد الدوائر الانتخابية التي ستعتمدها اللجنة؟ وما هو النظام الانتخابي الذي سيُعتمد؟ ليس لدينا مجلس تشريعي لكتابة القانون، ولا يستطيع الرئيس إصدار أي تشريع!

رابعاً، لا يذكر الإعلان أي آلية لوضع دستور دائم للبلاد. فهل ستكون هناك هيئة تأسيسية؟ كيف تُنتخب أو تُعين؟ ومتى ومِن قبل من؟ إذاً الخطر في ما غاب، لا في ما حضر!

خامساً، غياب تحديد واضح للمرحلة الانتقالية. تنص المادة 52 على أن مدة المرحلة الانتقالية هي: «خمس سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ نفاذ هذا الإعلان الدستوري. وتنتهي بعد إقرار دستور دائم للبلاد وتنظيم انتخابات وفقا له». غير أن الإعلان لا يحدد متى ولا كيف سيُكتب الدستور الدائم، ونحن لا نعلم متى وكيف ستُشكل اللجنة الدستورية أو الهيئة التأسيسية، ولا الزمن المتاح لها لإعداد الدستور الدائم. بل إن المرحلة الانتقالية تظل ملتبسة فنصّ المادة يقول إن المرحلة الانتقالية هي خمس سنوات وتنتهي بعد إقرار الدستور الدائم، ما يشي بأن الدستور يجب أن يُكتب قبل نهاية السنوات الخمس، لكن هذا الشرط غير واضح، وقد تفسر مدة المرحلة الانتقالية بأنها خمس سنوات شريطة كتابة الدستور الدائم. أي ما دام الدستور غير مُنجز بعد، فإن مهلة السنوات الخمس قد تُمدد! النص هنا غير قطعي، وخصوصاً في غياب آلية وضع الدستور الدائم! مرة أخرى الخطر في ما، غاب لا في ما حضر!

ما زلت عند رأيي في أن هذا الإعلان واحد من أفضل الوثائق الدستورية السورية، فهو أول نص يذكر حقوق الإنسان بوضوح وصراحة، وأول نص يبعد السلطة التنفيذية عن التشريع، وأول نص يتحدث عن حقوق لغوية وثقافية للمكونات، وأول نص يعلي سمو الاتفاقيات الدولية، لكنه نصّ يعاني من ثغرات معقدة وخطيرة، وما لم يُعمل على تلافيها بتعديلات سريعة، وإيجاد مخارج لبعض القضايا الملحة (ربما تكون آلية انتخاب مجلس الشعب أهمها) فإننا سنواجه معضلات حقيقية نحن في أمس الحاجة إلى تحاشيها، فهذا بلد يُبنى في حقل ألغام رهيب، لا تجوز المغامرة فيه بأي خطوة غير محسوبة!

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0