× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

يومَ هربتُ.. لأنني علويّة

حكاياتنا - ملح 30-06-2025

تستعيد كاتبة التدوينة ذكرى فرارها من حلب شأنها شأن الآلاف عقب دخول قوات «ردع العدوان» المدينة، يومَ لم تكن الصورة واضحة ولم يكن أحد يتصور أن النظام سيسقط بهذه البساطة ورئيسه سيفر. وتحكي عن الخوف الذي لازمها بتهمة أنها «علوية»

الرسم مولّد بالذكاء الاصطناعي

سيبقى يوم الثالث من كانون الأول/ديسمبر 2024 محفوراً في ذاكرتي ما حييت. كنت متيقنة كغيري من أهالي حلب أن أصوات الرصاص والمدفعية ستتوقف ويعود الهدوء الى المدينة، قبل أن يباغتني اتصال من قريب في تمام الساعة الثالثة عصراً يعلمني بضرورة مغادرة المدينة فوراً، بعد تمكن الثوار أو المجاهدين أو المسلحين (سمهم ما شئت) من دخول المدينة، وانسحاب عناصر الجيش السابق من أماكنه من دون اشتباك أو مقاومة، في انقلاب سريع للأحداث لم يكن أحد يتوقعه.

بعد سماع تلك الأنباء المفاجئة سارعت في نحو عشر دقائق بحزم حقيبة صغيرة فيها الضروريات فقط، وخرجت مودعة بيتي الذي شقيت وزوجي في تأمينه، تاركة خلفي كل شيء، السلامة كانت هي المهمة، والباقي «بيعوض الله» كما اعتدنا أن نقول - نحن السوريين والسوريات - في محاولة للتخفيف من مصائبنا المتواصلة.

كانت عشر دقائق ثقيلة جداً على قلبي وعقلي، وأنا أحدث نفسي بحرقة مع محاولة حبس دموعي، عن صعوبة أن تتركي ذكرياتك وأحلامك ومستقبلك وكل ما حاولت بناءه في لحظة واحدة، وأن تعيشي مرارة التهجير في بلدك المنكوب منذ سنوات، مقاطعة ذلك مع الآلام ملايين السوريين والسوريات الذين عاشوا الشعور المؤلم ذاته، واضطروا للنزوح إلى محافظات أخرى أو الهجرة إلى بلدان مهتمة باحتضان أوجاعهم وبلسمتها، وتقدير طاقاتهم وكفاءاتهم بدل تقزيمها وتدميرها في بلدنا لصالح الفاسدين وقلة قليلة معروفة للجميع.

أي قسوة أن تضطر أن تهجر بيتك خوفاً من أخيك؟! وأي بشاعة أكبر من أن تغيب مدة من الزمن وتعود لتجد بيتك مسروقاً؟

بقينا في شوارع حلب ننتظر بعض الأقارب الراغبين بمغادرة المدينة، ساعة كاملة غابت فيها أصوات الرصاص كلياً، في وقت كانت أعداد كبيرة من أهالي حلب يستقلون سيارات عادية وأخرى فارهة تغادر المدينة، وكان بعضهم يصطحب قطعاً من أثاث المنزل وكأن العودة ليس قريبة، بينما كنت أعتقد أنني خلال أيام سأعود الى المدينة التي أحب، وهو ما لم يتحقق سريعاً. عدت بعد نحو شهرين من سقوط النظام وتولي «هيئة تحرير الشام» قيادة البلد، لكن كان هناك كثير من الكسر في النفس بعد رؤية حال البيت الذي طالته يد السارقين. ربما ظنوا أنهم سرقوا أشياء مادية فحسب، من دون أن يدروا أنهم سرقوا قطعة من روحي لدرجة لم أعد راغبة في السكن فيه.

أي قسوة أن تضطر أن تهجر بيتك خوفاً من أخيك؟! وأي بشاعة أكبر من أن تغيب مدة من الزمن وتعود لتجد بيتك مسروقاً؟ الأصعب أن يكون السارق جارك أو شخصاً كنت قد ائتمنته في وقت سابق، لا شك أن كثراً غيري من أبناء البلد قد عاشوا حالة مشابهة على أيدي مختلف الأطراف طوال سنين.

يبدو أننا - للأسف - أصبحنا قساة أكثر مما يجب، وخاصة مع ترسيخ الفكر الطائفي وتقسيم المواطنين على أساس دينهم وعرقهم، بالتالي الربح والخسارة يكون بناء على هذه القاعدة، وليس على أساس المواطنة الغائبة والمغيبة من قاموسنا السوري.

فلأعترف أن الخوف الذي تملكني وجعلني أخرج مسرعة خارج أسوار مدينة حلب، دون تفكير بحجم الخسارات المادية والنفسية والاجتماعية نابع من كوني «علوية»، وبسبب هذا التصنيف الطائفي عشت - شأني شأن كثر غيري - أياماً سوداء، مع تكرار مشاهد التهجير المؤلمة في ريف حماة الغربي، بعد أن شهدت قراها نزوحاً جماعياً أشبه بـ«التغربية».

كان الآلاف ينقلون أولادهم وأمتعتهم هرباً باتجاه مصياف والساحل، كثير من – وربما معظم -  هذه العائلات من الطائفة العلوية التي حُملت وزر جرائم النظام السابق، وبهذا ظُلمت مرتين: مرة حين ضيّق النظام السابق أمامها فرص العمل وترك مناطقها عرضة للإهمال مع فتح أباوا الانتساب إلى الجيش والأمن أمامها، ومرة في النظام الجديد عند تحميلها كل شرور الكون، وارتكاب انتهاكات عديدة بحق أبنائها من الإذلال و«عوي ولاك» مروراً بالاعتقال العشوائي، ووصولاً إلى القتل.

نعم أنا علوية، لم أختر هذا ولا أخجل منه، لكنني في الدرجة الأولى مواطنة سورية، وهذا ما يجب أن يكون سائداً في بلدي المنكوب، ودون تفعيل هذا المفهوم والابتعاد عن التفريق بين السوريين على أساس الطائفة لن تقوم لنا قائمة، وسيكون نجاح الثورة مجرد كلام إعلامي سرعان ما يخبو بريقه، ونقع في المحظور من جديد وكأن الثورة بكل تضحيات أبنائها لم تمرّ من هنا.

♦ رحاب الإبراهيم: صحافية سورية - حماة

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0