× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

تهاوي القطاع الصحي مستمر: صرخات بلا رعاية

حكاياتنا - خبز 02-07-2025

في ظل الانهيار العام لمؤسسات الدولة السورية، يعاني القطاع الطبي والصحي أزمة كارثية. يستعرض هذا التقرير تداعيات الانهيار، من هجرة الكفاءات وتدمير المستشفيات إلى النقص الحاد في الخدمات والمعدات. كما يسلط الضوء على شهادات حية، ويكشف عن لجوء السكان إلى حلول بديلة ومخاطرها، مع التطرق للآثار المستقبلية المحتملة

الصورة: (مستشفى حلفايا المُدمّر / صفحة وزارة الصحة على فايسبوك)

يشكّل انهيار مؤسسات القطاع الطبي والصحي في سوريا حلقة في سلسلة من الانهيار العام لمؤسسات الدولة الذي ظهر إلى العلن البلاد في الأشهر الأخيرة. عاش القطاع الصحي لسنوات ما يشبه حالة انهيار غير معلنة، وعلى مختلف الصعد، سواء ما يرتبط بالبنى التحتية أو الكوادر، وعقب سقوط النظام تفاقم الأمر. 

تداعيات غياب الرعاية
ثمّة قصص مفجعة لوفيات تُسجل داخل المستشفيات نتيجة الغياب التام للرعاية أو الطبابة أو الإسعاف، ونقص الإمكانات اللوجستية والدوائية الحيوية. هذا الوضع دفع كثراً للاستعانة بالطب البديل أو التمريض البدائي. وفي هذا السياق، عادت القابلات القانونيات (الداية في المصطلح الشعبي) للظهور بعد سنوات من نسيان دورهن، لملء الفراغ المهول.

تتفق الآراء في هذا الإطار على ضرورة البحث عما تبقى من مشافٍ صالحة لممارسة دورها الأمثل، مع ما يمكن فعله حالياً بشكل إسعافي، ووضعه في خطط استراتيجية مستقبلية طويلة الأمد. يترافق ذلك مع خشية متزايدة من السلاح المتفلت الذي اقتحم المستشفيات أكثر من مرة واعتدى على طواقمها الطبية، ما دفع بعض المشافي للتوقف عن العمل احتجاجاً، وآخرها في بصرى الشام. لم يكن استهداف الأطباء والصيادلة والممرضين خارج أماكن عملهم ببعيدٍ عن مجريات الأحداث، إذ قُتل العشرات في مجازر الساحل في شهر آذار/مارس الماضي.

وفي كانون الثاني/يناير الماضي قالت متحدثة منظمة الصحة العالمية مارغريت هاريس، إن «أكثر من 15 مليون شخص بحاجة ماسة إلى الرعاية الصحية في سوريا، وقد تعرضت معظم المرافق الصحية لأضرار، وتجاوزت قدرتها على استقبال المرضى، أو ببساطة تعاني من نقص التمويل».

مشهد عام للقطاع المتهالك

اليوم، لا يوجد في مدينة حمص مستشفى حكومي مؤهل للعمل بكامل طاقته، وفي حلب، تعمل المراكز الصحية بالحد الأدنى من الإمكانات، وتشابهها في ذلك مدن أخرى. علاوة على ذلك، تحولت الكثير من المستوصفات والمستشفيات إلى نقاط طبية عسكرية، كمستشفى تشرين العسكري في دمشق.

في دمشق أيضاً، تعمل معظم المستشفيات بالحد الأدنى من الطاقة الاستيعابية. يوضح مصدر عامل في مستشفى المواساة، لـ «صوت سوري» أن التوجه اليوم ألا يستقبل المستشفى إلا الحالات الحرجة، بسبب النقص الحاد في الأدوية والمعدات والمستلزمات الأساسية. 

يشير المصدر - الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه -  إلى أن أقساماً كاملة كالطوارئ والعناية القلبية وغيرها شهدت توقفات مستمرة عن العمل أكثر من مرة منذ كانون الثاني/ يناير الماضي. ويؤكد المصدر أن المستشفيات الرسمية اليوم تفتقد لأجهزة الرنين المغناطيسي، بينما قد تتوافر في مراكز القطاع الخاص لكن بأجور باهظة جداً، ما يجعل المرضى يحجمون عن التوجه إليها رغم أهميتها في تشخيص كثير من الأمراض.

شهادات من قلب المعاناة

ناصر زهرة، طبيب تخدير في دمشق، تحدث لـ «صوت سوري» عن الأسبوع الأول عقب سقوط النظام، حينها غاب معظم أطباء التخدير، الذين كانوا قلة خلال سنوات الحرب، وكانت البلاد تبحث عن تخصصهم بأي طريقة لسد الفجوة الهائلة التي أحدثتها هجراتهم نحو بلدان أخرى، ليصبح طب التخدير من أندر الاختصاصات، كما الطب الشرعي والنفسي، ثم ازداد الأمر سوءاً في الآونة الأخيرة.

يقول زهرة: «نحتاج مساعدات طبية عاجلة، أحياناً لا نجد الضمادات والمضادات الحيوية لعلاج الحالات. كما أننا بأمس الحاجة إلى أن يعود الأطباء، على الأقل الذين فروا خوفاً من المستقبل القادم دون أن يكونوا قد تعرضوا لتهديدات مباشرة».

تتدخل الظروف الأمنية العامة في خيارات الناس، فذهاب أي سيدة للولادة ليلاً في أحد مستشفيات مدينة حمص مثلاً سلوك ينطوي على مخاطرة كبيرة

تركت الممرضة نورا (اسم مستعار) عملها في مستشفى «ابن النفيس» بدمشق في منطقة برزة. تقول إنها اضطرت في الآونة الأخيرة لتحيك جراح طفلة دون وجود أدوات التعقيم الأساسية، مكتفية بالكحول والخيوط وما توافر من ضماد. لكن الطفلة لاحقاً تعرضت لتسمم دموي، وهذا كان سبب تركها العمل في المستشفى والهرب. 

تُحمل نورا المسؤولية لرداءة المنظومة الصحية كاملةً، فمن وجهة نظرها تصرفت بأقصى المستطاع مما أتيح أمامها في ظل ضعف المنظومة الإسعافية.

الطب البديل: ملاذ اليائسين

اللجوء للخيارات البديلة، مثل الطب الشعبي، بات «حلاً» في الوضع الراهن. ففي حي الميدان بدمشق، افتتح أبو زاهر، وهو عطّار معروف بالحي، عيادة صغيرة ضمن منزله، وتكفل بالعلاجات البسيطة كاللّدغ والحروق والجروح عبر الأعشاب الطبيعية.

يقول أبو زاهر: «هذا بديل مريح للناس، لا تكاليف إضافية أو باهظة، أقدم ما أقدر عليه. بالطبع ليس لدي غرف إنعاش وعناية مركزة، لكنني أداوي بطرق قد تكلف كثيراً في الخارج، مستفيداً من خبرتي في التعامل مع الأعشاب الطبية والخلطات الطبيعية والحجامة التي أبرع بها. وقد تمكنت من علاج جروح كان يمكن أن تتعفن وتفضي إلى كوارث، وأن أضمد جروحاً أخرى بما لا يترك ضرراً مع الوقت. دوائي هو الأعشاب التي أعرفها جيداً ومستخلصات الزيوت».

مخاطر تهدد الطواقم وتُحيي العادات القديمة

في الأسابيع الأولى بعد سقوط النظام، تعرضت الكثير من الطواقم الطبية للاعتداء بسبب حالات إسعافية وغيرها. كما شهدت بعض المستشفيات عمليات سطو وسرقة، ما دفع الكثير من الأطباء للانكفاء عن العمل ومغادرة مواقعهم، إما خوفاً من الواقع الراهن، أو من العمليات الانتقامية المرتبطة بموظفي الحقبة السابقة، أو نتيجة المقاطع المصورة التي كان يجري تداولها للاعتداء على الأطباء في مواقع عملهم، وأبرزها في دمشق، ومستشفى حمص الجامعي، ودرعا، والسويداء وغيرها.

بناء على تلك المخاوف، قرر طبيب القلبية س. م ترك عمله بشكل كامل مع أواخر شهر كانون الثاني/ يناير الماضي. يروي قائلاً: «دخلت مجموعة مسلحة إلى المستشفى الذي أعمل فيه، كان لديهم عنصر مصاب لدينا، أهانونا وضربونا ثم بحثوا في السجلات عن أسماء أطباء بعينهم. شعرت بخوف كبير، كانت نظراتهم وتصرفاتهم مرعبة، حتى عيادتي أغلقتها وقررت البقاء في المنزل».

لا تتوافر إحصاءات مُحدثة دقيقة لواقع الكوادر الطبية في سوريا راهناً، أو عدد الكوادر المهاجرة. في أيلول/سبتمبر 2024 نقلت صحيفة «تشرين» (صار اسمها «الحرية» حالياً) إنّ «أكثر من 25 ألف طبيب غادروا البلاد منذ 2011». وفي آذار/مارس الماضي، نقلت صحيفة «عنب بلدي» عن معاون القائم بأعمال وزارة الصحة، الدكتور حسين الخطيب قوله «لا توجد إحصائيات دقيقة لعدد الأطباء الموجودين في سوريا»، كما نقلت عن نقيب أطباء سوريا، الدكتور مالك عطوي، قوله  إن «عدد الأطباء الكلي في سوريا بحدود 45 ألف طبيب، وخارج البلد أكثر من 10 آلاف».

وسط هذا الفراغ الطبي، وما يرتبط به من حوادث، بات ملاحظاً أن كثيراً من النسوة يلجأن للولادة المنزلية بمساعدة ممرضة أو إحدى القابلات القانونيات، بعد سنين من تراجع هذه الظاهرة. يرجع ذلك للأسباب آنفة الذكر، بالإضافة إلى ارتفاع الأجور غير المعقول في المشافي الخاصة، والأهم هو مخاطر الولادة الطبيعية ليلاً في مدن تنعدم في معظم شوارعها الحياة بعد الخامسة عصراً كحمص مثلاً. ماذا عن المستقبل؟

ماذا عن المستقبل؟

استمرار الانهيار في القطاع الصحي يحمل في طياته تداعيات كارثية على المدى الطويل للمجتمع السوري. فبالإضافة إلى الخسائر البشرية المباشرة الناتجة عن غياب الرعاية، يُخشى أن يؤدي هذا الوضع إلى تفاقم الأوبئة والأمراض، خاصة في ظل ضعف البنية التحتية الصحية والبيئية.

فضلاً عن أن نقص الكفاءات الطبية كفيل بإعاقة أي جهود مستقبلية لإعادة بناء القطاع، ليؤثر ذلك سلباً على التنمية البشرية والاقتصادية، فالمجتمع غير الصحي هو مجتمع غير منتج. يُضاف إلى ذلك أن الاعتماد المتزايد على الطب البديل قد يؤدي إلى تفاقم بعض الحالات الصحية بسبب غياب الرعاية الطبية المتخصصة والتشخيص الدقيق، ما يهدد صحة الأفراد على المدى البعيد ويزيد من الأعباء المجتمعية.

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0