× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

مقدمات سياسية للعملية الدستورية: منطق الدولة / 2 من 2

عقل بارد - أوراقنا 29-06-2020

لن يضمن الدستور وحدة الأراضي السورية، إذا لم يستطع أن يجيب عن أسئلة منطق الدولة الأساسية، لإعادة بناء كتلة سياسية وازنة تضمن مصالح أكبر عدد من السوريين

الصورة: (UN Geneva - فليكر)

استعرضنا في القسم الأول من هذا المقال محطات أساسية من تاريخ نشوء مفهوم «الدولة الوطنية»، وأشرنا إلى حاملين أساسيين من حوامل الدولة، هما: 
1- القدرة على تنظيم مسار ملايين العمليات والفعاليات الاقتصادية العشوائية ضمن منظومة تضمن كتلة ثقيلة من التوازنات بين النخب وشبكاتها الزبائنية. 
2- حماية هذا النظام الاقتصادي من ابتلاعه من قبل أنظمة أخرى للدول الوطنية المنافسة، أو المصالح العابرة للدول الوطنية.
وأنهيناه بالتوقف عند مفصل شديد الأهمية في الحاضر، والمستنقبل السوريين، وهي أننا لا نجد اليوم توافقاً حقيقياً على ماهيّة الدولة السوريّة.

إن من شأن تفتت الدولة السورية أن يهدد استقرار المنطقة بالفعل، وأن يفتح بوابات جهنم على كل الأسئلة التي أغلقت بقوة النار والأيديولوجيات إلى أن استقرت حدود دول المنطقة على ما هي عليه. لذلك يسعى اللاعبون الخارجيون إلى الحفاظ على التوازن الجيوستراتيجي بينهم، أكثر من حرصهم على الحوامل الداخلية الضرورية واللازمة للحل السياسي في البلاد. 
هكذا؛ وُضع سؤال وحدة التراب قبل سؤال منطق الدولة وسبب وجودها، لأن الأطراف الفاعلة الخارجية لا يهمها من اللعبة الداخلية سوى انحراف مسار سلاسل القيمة الاقتصادية، لتحصد فضل قيمتها في العواصم الإقليمية والدولية، بدل تراكمها في العاصمة والمدن السورية. 
لكن فعلاً؛ ماذا يعني أن نكون في دولة موحدة؟ 
منذ خروج الحيز الجغرافي العربي عن سيطرة الإمبراطورية العثمانية، وتأسيس الدول العربية الناشئة، لم يناقش هذا السؤال بالعمق الكافي. وليس هذا المقال بأي حال مكان كافٍ للخوض، والإحاطة بكل جوانب السؤال. 
لقد بقي كثير من مواطني هذه الدول الناشئة، أسرى هوياتٍ ما فوق، أو ما تحت وطنية. ولم تكن المعادلات السياسية الوازنة بين النخب الوطنية، هي الضامن الأساسي لمصالح كل المجتمعات بحال من الأحوال. لكن النخب الوطنية، أوجدت أيديولوجيات جديدة تضمن لها السيطرة على الاقتصاد والسياسة، واستخدام مؤسسات الدولة ومواردها لتعزز مصالحها. وكان عليها في سبيل ذلك، أن توجد منظومة توزيع للموارد تضمن ولاء وقبول المجتمعات لقدرها في «المواطنة» التي لم تتجاوز - في معظم الأحيان - المفاهيم التقليدية للعلاقة الزبائنية بين الحاكم والرعية. 
من شأن تفتت الدولة السورية أن يهدد استقرار المنطقة بالفعل، ويفتح بوابات جهنم على كل الأسئلة التي أغلقت بقوة النار والأيديولوجيات إلى أن استقرت حدود دول المنطقة على ما هي عليه
إذا افترضنا أن المبادئ الأساسية الناظمة لمنطق الدولة تشمل الموازنة بين النخب ومصالحها من جهة، وبين رفاه المجتمع بشكل عام ومتطلبات الدفاع عن هذه المنظومة من التدخلات والمنافسة الخارجية من جهة أخرى، فإن الدولة السورية بهذا المعنى لم تمتلك منطقاً حقيقياً خلال العقود الأولى لتأسيسها. إذ إن جزءاً من مصالح نخبها كان مرتبطاً بمصالح خارج الحدود الترابية للدولة، وكانت ارتباطات بعضها أقوى من ارتباطها بالاقتصاد المحلي. ولم تستطع الأنظمة الدستورية المتعاقبة فرض التوازنات اللازمة بين تلك النخب التي أصرت على التنافس السياسي في ما بينها، ورفضت أي دور فاعل لرأس السلطة التنفيذية في إرساء التوازن بينها، خشية سيطرة فئة منها على السلطة التنفيذية. لقد انهارت الحكومات السورية المتتابعة بعد الاستقلال، لأنها تعاملت مع الدستور على أنه أداة تقنية لإدارة الدولة، وليس أداة سياسية لفرض كتلة وازنة من السلطة السياسية القادرة على إنتاج منطق قوي للدولة والدفاع عنه. 
سقطت البرجوازيات الوطنية السورية أمام عجزها عن التوافق، قبل أن تسقط أمام عبد الناصر، والبعث، والـتأميم والإصلاح الزراعي. 
جاء البعث ليفرض منطقه الخاص على الدولة. وحاول في السنوات الأولى أن يوجد إطاراً من التوازن السياسي بين قياداته، ليوفر قاعدة توزيع ريعٍ لفضل القيمة الوطني على مجموع مؤيديه. (تحتاج هذه الفئة دراسة معمقة، ولا يمكن بأي حال قبول التماهي الذي فرضه البعث بينها وبين كامل الشعب السوري، عبر تكريس مستبد لقاعدة «قائد الدولة والمجتمع»). 
فشل البعث بدوره، لأنه لم ينتج منطق دولة قادراً على تحقيق معادلة التوازن بين الدفاع عن الحدود الترابية، ورفاه المجتمع. ولم يتوازن هذا المنطق مرحلياً إلا بعد وصول الأسد الأب إلى سدة الرئاسة، ليفرض ذلك المنطق بالقوة، ويؤسس قاعدة أيديولوجية – اقتصادية، ضمنت الرضوخ لذلك المنطق ترغيباً أو ترهيباً. 
أصر البعث على إدارة البلاد بالمنطق الذي أرساه الأسد الأب، فاعتبر أن التغييرات القانونية والدستورية المطلوبة هي مجرد تغييرات تقنية، وليست تغييرات سياسية
استطاع «منطق الدولة» (المحررة: برغم فرضه بطريقة مستبدة) أن يضمن الاستقرار عقوداً عديدة، ووفر ذلك حظاً من التنمية، وحدّاً من الدفاع عن وحدة التراب السوري. لكنه لم يستطع حل مشكلة توسيع موارد الدولة، لإيصال حصة أكبر من الكعكة إلى التشكيلات الجديدة من النخب التي «تبرجزت» في تلك الفترة، وإلى الفئات المهمشة التي وُعدت بأحلام برجوازية صغيرة، (امتلاك مسكن، فرصة عمل مستدامة، حساب توفير بريد، إلخ)، ولم تحصل عليها.
لم تتغير معادلات «منطق الدولة» في سوريا مع تغير المعطيات الديموغرافية والاقتصادية والعمرانية للمجتمع. تلك المعطيات التي تأزمت حتى وصلت حد الانفجار في العام 2011. لقد أصر البعث على إدارة البلاد بالمنطق القديم الذي أرساه الأسد الأب، فاعتبر أن التغييرات القانونية والدستورية المطلوبة للمرحلة القادمة هي مجرد تغييرات تقنية، وليست تغييرات سياسية، ومالت الكفة لاستخدام الجانب العنفي من ذلك المنطق، عبر توهم أنه ما زال يحقق كتلة وازنة من المصالح المجتمعية. 

اليوم؛ تشكل تلك «الكتلة الوازنة» إشارة استفهام ملحّة، وما لم يُجب عنها، فإن وحدة الأراضي السورية لم تعد ممكنة ضمن معطيات «منطق الدولة» القائم. بمعنى آخر، لن يضمن الدستور وحدة الأراضي السورية، إذا لم يستطع أن يجيب عن أسئلة منطق الدولة الأساسية، لإعادة بناء كتلة سياسية وازنة تضمن مصالح أكبر عدد من السوريين. 
غالباً، نحتاج هذه المرة - وللمرة الأولى – إلى الانتقال من مفهوم الشعب والمواطنين، بوصفه مفهوماً متخيلاً تنتجه أيديولوجيا النخب، إلى مفهوم مواطنة سياسي يعطي كل مواطنة ومواطن دوراً في المعادلة السياسية القادمة. لكن ليس بشكل إفرادي، بل ضمن تشكيلات سياسية حقيقية ووازنة قادرة على تحقيق توازن فاعل نحو مصلحة عامة.
إن التقليد الدستوري الذي أُسس له المؤتمر السوري العام (دمشق بين عامي 1919 و1920، الذي أنجز أول مسودة دستور وطني كتبتها النخب الوطنية (اعتبرها تقرير كينغ كراين غير مالكة لشعور وطني جاد كما ينبغي) بحاجة إلى نقلة نوعية اليوم. ولا يجب أن يبقى الدستور أداة تقنية لإدارة الدولة، بل ينبغي أن يكون أداة سياسية لفرض منطق جديد للدولة، وللحديث تتمة. 

Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها