× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

الثالث المقموع... و«منطق الوحل»

عقل بارد - على الطاولة 11-08-2020

لي أصدقاء التحفوا بالنجمتين شهداء، وكذا بالنجوم الثلاث، ويعتصرني الألم أمام الأسئلة التي تطالبني أن أصنف السوريين بين شياطين وملائكة

الصورة: (UNHCR Syria - فليكر)

«سقراط حي» أو «سقراط ميت»، هما قضيتان متناقضتان، إذا صحّت الأولى كذبت الثانية والعكس بالعكس، ولا ثالث بينهما. كذلك يرسي أرسطو في مجموعة كتبه المسماة «الأورغانون» المبدأ الثالث من مبادئ منطقه الصلب، المبدأ المسمى «الثالث المرفوع»، أو المستثنى أو المستبعد.
بالقياس: إذا كنت سورياً، فأنت إما معارض وإما مؤيّد، ولا شيء آخر. أنت ترفع عَلماً بثلاث نجوم أو علماً بنجمتين، تقف مع الجيش السوري الحر، أو مع الجيش العربي السوري... وإلخ. البعض يصرّ أن يراك على إحدى الجبهتين، وإلا فأنت غير موجود!
طبعاً؛ لا يمكننا - نحن السوريين - بحالٍ من الأحوال، أن نلقي وزر ما نحن فيه على عاتق أرسطو. 
أرسطو الذي تفتق ذهنه البارع عن قواعد المنطق الذي بات يُسمى باسمه، بينما كان يعقد يديه خلف ظهره، ويمشي الهوينى في شوارع أثينا وبين أعمدتها، متبوعاً بتلامذته يتلقفون درره، في مدرسة المشائين التي أنشأها.
لكن؛ يمكننا مع ذلك تذكُّر أنّ منطقه ذلك (المنطق الشكلي/الصوّري)، كان منطق السادة المنعّمين المتلطين خلف أسوار المدينة، وليس منطق العبيد داخلها وخارجها، ولا منطق الفلاحين المحاربين الممنوعين من دخول المدينة... وما أشبه اليوم بالأمس!

اعترافان
سأدلي بداية باعتراف صغير: «كنت واحدة من اللاتي شاركن في المظاهرات بدءاً من آذار 2011، وكنت واحدة ممن وقفن لاحقاً ضد العلم ذي النجوم الثلاث، ووقفت أيضاً ضد السلاح».
اعترافي الثاني، صغيرٌ أيضاً: «منذ سنوات عدّة، لم أعد قادرة على اتخاذ موقف صارمٍ (على طريقة أرسطو) من علم النجمتين، ولا من علم النجوم الثلاث».
أذكر أن لي أصدقاء التحفوا بالنجمتين شهداء، وكذا بالنجوم الثلاث، ويعتصرني الألم أمام الأسئلة المبتسرة التي تطالبني بأن أجيب بنعم أو لا، أن أصنف السوريين بين شياطين وملائكة.
لذا أترك أرسطو هانئاً بصرامة حكمته المتعالية، وأحاول أن أفهم: أيُّ منطق ذاك الذي يمكنه أن يتناسب مع الوحول والدماء التي نتمرغ فيها؟

استنارة «كابوسية»
كي أوضح الاعترافين السابقين، أقول هنا بضع كلمات إضافية. وجود عَلَمين لدولة واحدة، جيشين في دولة واحدة، أصابني بالرعب. 
هكذا ببساطة، أصبت بالرعب. لقد كان ذلك من الوضوح و«الصرامة» والحدّة، كما حدّ السيف، كما استنارة كابوسية لصوفيّ استحال شكّه يقيناً: هي الحرب إذاً، ولا شيء سواها. إما أن ينتصر الأول بالحرب وبالدماء، أو ينتصر الثاني بالحرب وبالدماء، أو لا ينتصر أحد، سوى الحرب والدماء!

منطق الوحل
بعد «الاستنارة»، وفي لجّة الكابوس، رأيت إلى قلبي الصغير يجادلني مستهيناً بأرسطو ومنطقه، وطارحاً منطقه الخاص، منطقاً سمّاه: «منطق الوحل».
قال لي: منطق أرسطو هو منطق السادة ملّاك العبيد، إما أن تكون مع السيد (أ) أو أن تكون مع السيد (ب)، وأنت بالذات: الثالث المرفوع، الممنوع، المستبعد، وأنت بالذات أداة السيدين في اختصامهما.
قلت: أوضح.
قال: انظري ملياً في ما يقوله السيدان ويطرحانه، يتكلمان طوراً عن الوطن وحرمته وحرمة أرضه، وتارة عن الحرية والديمقراطية. لكن؛ هل سمعتِ أياً منهما يتكلم عن الوحل الذي نتمرغ فيه؟ هل تسربت بين شعاراتهم الكبيرة ولو كلمات قليلة عن خبزنا ومعيشتنا وعرقنا المسفوح؟
انظري إلى ما نحن فيه (الآن وهنا، وشرقَ المتوسط)؛ سيدٌ يعلن رفضه للعقوبات لأنها تجوّعنا، لكنه هو نفسه من يسحب اللقم اليابسة القليلة من أفواهنا، وأفواه صغارنا! وسيدٌ يوافق على العقوبات التي تساهم في جوعنا، لأنه يريد «حريتنا» من السيد الأول!!
- رماديٌ أنتَ إذاً، وعدميّ وانهزاميٌ، بل وانزلقت في غفلة مني إلى درك سحيق؛ بتّ من جماعة:  «الله يفرج أحسن شي».
- بل أحمر، شديد الحمرة، وثالثي ثانٍ، وأوّلك وثانيك أوّل.
- ها أنتَ تهرب ثانية صوب تعبيراتك الصوفية الغامضة، وتدّعي أن لك منطق الوحل، بينما تحلّق عالياً، متخففاً من عبء الانتماء الصارم!
- على العكس تماماً، إنّي لمنتمٍ، وانتماءً شديد الصرامة أيضاً. لست أداور الكلام ولا أنمّقه؛ ما أقوله إنّ السيدين المتناقضين، متناقضان حقاً، ومتنازعان حقاً، ولكنهما يتنازعان نهبنا، ويتنازعان السيادة علينا، ولذا فهما واحد في نهاية المطاف، ونحن الثاني، ولسنا ثالثاً مرفوعاً أو ممنوعاً. 
نحن جبهة وهم جبهة (المحررة: من الواضح أنّ كلّاً منهما فريق وليس شخصاً فحسب، لذا جازت صيغة الجمع). الفارق هو أنهم يعرفون السبل والأبواب الخلفية، يعرفون أيّ الطرق أنجع في توزيعنا وتشتيتنا بين الأعلام والجيوش والمذاهب والطوائف والأعراق والقوميات والعشائر. بين متدينين وعلمانيين، بين مشجعين مصفقين هاتفين لهؤلاء، ولأولئك. يعرفون كيف نكون جند(هم)، وحملة راياتـ(هم)، وشهداء(هم) ومعتقليـ(هم) ولاجئيـ(هم). وما دمنا نرضى بذلك سنبقى ثالثاً مرفوعاً على صليبهم، ممنوعاً مقموعاً منهوباً. 
علينا أن ندرك أن «السّيدين» واحد، لكي ندرك أننا الثاني، حينها فقط يمكننا أن نتحد، يمكننا أنّ نحوّل الوحل الذي يطمرنا إلى طوبٍ للبناء ومنحوتات تعكس جمالنا في وطن يكون لنا، ولا نكون مجرد أرقام فيه، يتوازعنا السادة ليقتسموا تعبنا، كلٌّ حسب ما تحت قياده منّا...
.....
لست ألوم قلبي، فلا جناح على المتألم أن يصرخ، بل وأن يعوي. أعلم أنّ حديثه قد يبدو عديم المنطق، وإن كان يدّعي أنّ له منطقه الذي يسميه منطق الوحل. 
مع ذلك، فما أقرّ به لهذا «الأحمر شديد الحمرة» أنّه يفتح بابه واسعاً أمام الأسئلة، أنّه لا يركن إلى إجابة من الإجابات. أنّه يضع أمامي سؤالاً بسيطاً وصعباً في آن: 
إذا كنا كما يقول حقاً: «الثالث المقموع»، ألا يجدر بنا أن نرى بلادنا بعيوننا لا بعيون الأول والثاني؟ أليس ممكناً التفكير بأنّ سوريا الجديدة، ينبغي أن يكون لها علم جديد ونشيد جديد وأسماء جديدة؟ أليس انتصار أي من السيدين خسارة واستبعاداً للثالث؟ الثالث الذي ينبغي أن يكون لا الثاني كما يقول قلبي، بل ينبغي أن يكون الأول، وينبغي أن يكون الوحيد؟ 

Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها