× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

عن التأميم مرة أخرى

عقل بارد - أوراقنا 15-11-2020

في 23 تموز العام 1961، صدر القانون رقم (118) القاضي بتأميم جزئي لأكثر من عشرين شركة ومؤسسة في سوريا، ومثلها في مصر، وشمل التأميم نصف ملكية شركة الحاج سامي صايم الدهر، على أن يدير العمل موظفون معينون من الحكومة الى جانب أصحاب المعمل

كانت ميزة حلب، كما أسلفنا في المقال السابق انتباهها إلى ما يجري في العالم من تطورات وتسارع في اﻹنتاج الصناعي والزراعي، وهو ما لم تحققه مدن أخرى عملت في قطاع النسيج، ومنها المحلّة في مصر.

صايم الدهر واﻷنوال الكهربائية
في العام 1922 استورد التاجر الحلبي شوكت عزيز، أنوالاً حديثة لصناعة النسيج، من ماركة «دييدريش سانت كولومب» الفرنسية، ونصبها للعرض في «سوق الدهشة» قرب الجامع الأموي الكبير في حلب.

أدرك عدد من الصناعيين أن المستقبل لها، ومن بينهم الحاج سامي صايم الدهر، ابن تاجر الحرير الأغباني، والشال والزنار الهندي، إبراهيم صايم الدهر، الذي رعى ولده وحوّله إلى سوق العمل في سن مبكر، كما تقتضي عادات حلب التجارية والاجتماعية.
تكامل عمل سامي مع عمل والده في تجارة الحرير، فكان يسافر سنوياً إلى الحجاز حاملاً تجارته من شالات الحرير بعد تصنيعها في حلب، ولم يطل اﻷمر حتى استقل بعمله وفتح محلاً في سوق المدينة، لبيع بضاعته واستأجر بيتاً مستقلاً عن بيت والده في حي الفرافرة.

كان الحاج الصغير سامي أحد الذين اُعجبوا باﻷنوال الكهربائية اﻷولى التي وصلت إلى حلب، قبل أن تصل الكهرباء إليها (المحررة: وصلت الكهرباء إلى حلب في العام 1928، وحتى العام 2011 كانت هناك مناطق في ريف حلب وغيرها لم تصلها الكهرباء؟! لا نتكلم عمّا خلّفته الحرب من أضرار طبعاً، فالأمر سابق على ذلك)، كان تشغيل تلك الأنوال ممكناً اعتماداً على طاقة الديزل (المازوت) التي كانت تكلفتها مرتفعة في تلك اﻷيام.
قرر سامي السفر إلى فرنسا للاطلاع المباشر على مصانع الآلات الحديثة، وقفل عائداً إلى حلب ليؤسس نواة أول معمل للنسيج في منطقة الجميلية، على أرض اشتراها بمساحة حوالى ألفي متر مربع، وكان رأس ماله وقتها أربعمئة ليرة عثمانية ذهبية.

لم يكن توفير «الرساميل» التي تحتاجها عملية بناء المصانع باﻷمر السهل، كان الحل تأسيس شركات مساهمة، تطرح أسهمها للاكتتاب العام ويشتريها الناس، وتصبح شبه ملكية جماعية إلى حد كبير، مع وجود أشخاص من المساهمين في مجلس اﻹدارة.
هذه الطريقة استخدمها خالد العظم في تأسيس مرفأ اللاذقية، واستخدمها آخرون في تأسيس مصانع في الشام وحلب، وبنيت جميعها على مبدأ الثقة باﻷشخاص والرموز من التجار الكبار، من دون أن يذكر التاريخ حادثة نصب واحتيال على أي من المساهمين الصغار.

احتوى معمل سامي الأول في الجميلية ثمانية عشر نولاً حديثاً، تعمل محركاتها على الكهرباء، ما استدعى منه تأهيل النساجين التقليديين للعمل عليها، وكانت تلك أول دورة تدريبية على التقانات الحديثة في صناعة النسيج في تاريخ الصناعة السورية، ولم يلبث الرجل أن غدا وكيل الماركة الفرنسية النسيجية لآلات «سانت ـ كولومب» الحصري العام 1930، وأكبر مستورد حصري للخيوط الصناعية.

أكّد عبد الناصر لصناعيي حلب عدم وجود نوايا للتأميم وشجّعهم على توسيع معاملهم وشدّد على أنه سيدعمهم. لكن بعد عامين صدر قرار التأميم

إلى جانب نشاطه الصناعي، كان الرجل مدركاً ﻷهمية التكامل مع التجار اﻵخرين، هكذا أسس غرفة صناعة حلب العام 1935، وانتُخب رئيساً لمجلس إدارتها. ظل في منصبه ذاك، يعاد انتخابه المرة تلو المرة حتى العام 1964، كما انتخب عضواً في مجلس إدارة غرفة تجارة حلب منذ العام 1931، ونائباً في البرلمان السوري عن الكتلة الوطنية، وبقي فيه حتى انقلاب حسني الزعيم العام 1949.

أنشأ الحاج معملين آخرين له وﻷخيه في منطقة الفيض، ولم يلبث أن قرر إنشاء معمل ثالث في منطقة بلليرمون، بمساحة تزيد عن 50 ألف متر مربع، بنى معملاً حديثاً فيه محطة لتحلية المياه، ومحطة لتنقية الهواء، واستورد مغازل للقطن بلغ عددها ستة آلاف مغزل، ووضع فيه أنوالاً بلغ عددها 143 نولاً، وآلات للصباغة وكي القماش وصقله. كما استورد الخيوط الصناعية كالحرير الصناعي، والبوليستر. بلغ عدد العمال حوالى أربعمئة عامل، كانت علاقة الحاج سامي بهم أبوية، وكانوا يحيطون به دائماً ويقدم للعديد منهم المساعدات والمعونات.

صايم الدهر وعبد الناصر

في مطلع الخمسينيات حقق معمل بلليرمون أرباحاً جيدة، فقرر الحاج سامي بناء قصر مهيب، استغرق بناؤه سبع سنوات، وكان مؤلفاً من طابقين تحيط به حدائق واسعة.

قبل زيارة جمال عبد الناصر الثانية إلى حلب في شباط العام 1959، مع ولي عهد اليمن الإمام البدر، والرئيس اليوغسلافي الماريشال تيتو، طلب محافظ حلب رفعت زريق، من الحاج سامي أن ينزل الرئيس عبد الناصر، والإمام البدر، وعبد الحكيم عامر، وأنور السادات، مع الحرس الشخصي في قصر الحاج سامي، في حين تمت استضافة تيتو في قصر عبد السلام مدرّس، الذي تشغله نقابة المهندسين حالياً.

قامت عائلة الحاج سامي بإخلاء الطابق الثاني من القصر، والبقاء في الأرضي، وأعلنت زوجة الحاج أنها لا تريد أن يُطبخ طعام عبد الناصر وصحبه في القصر، خوفاً من حدوث حالة تسمم فتتهم بمحاولة اغتياله، فتم تكليف مطعم فندق بارون بإعداد الطعام للوفد الرئاسي.

هناك العديد من الروايات المتداولة عن وقائع تلك الزيارة، على أن أكثرها انتشاراً أن وفد عبد الناصر أكل بملاعق ذهب في قصر الحاج سامي طوال ثلاثة أيام هي مدة استضافته، وهو أمرٌ نفته ابنة سامي، أميرة صايم الدهر، في حديث لها

وصلت الكهرباء إلى مدينة حلب في العام 1928، وحتى العام 2011 كانت هناك مناطق في ريف حلب وغيرها لم تصلها الكهرباء!

في تلك الزيارة، سأل الحاج سامي الرئيس عبد الناصر عن الإشاعات التي تناقلها الناس بعد صدور قانون الإصلاح الزراعي، حول وجود نوايا لتأميم المصانع، وقال له: «إنني أنوي توسعة مصنعي، فإن كانت هناك نية تأميم أرجو أن تخبرني، لئلا أقوم بالتوسعة»، فأكد عبد الناصر أن لا تأميم، وليقم بتوسعته وأنه سيدعمه، ويدعم الصناعيين الآخرين لتوسعة معاملهم.
قام الرجل بالفعل بتوسيع معمله، وصرف ﻷجل ذلك أكثر من عشرة آلاف دولار أميركي، كما سافر إلى إيطاليا مع ابنته لتأمين ورق الطباعة على القماش لمعمله ذلك، بعدما تم شراء مطبعة خاصة للطباعة من الورق على القماش.

في 23 تموز العام 1961، صدر القانون رقم (118) القاضي بتأميم جزئي لأكثر من عشرين شركة ومؤسسة في سوريا، ومثلها في مصر، وشمل التأميم نصف ملكية شركة الحاج سامي صايم الدهر، على أن يدير العمل موظفون معينون من الحكومة الى جانب أصحاب المعمل.

من عجائب التأميم، أنه شمل سيارة الحاج سامي الخاصة، وهي سيارة كاديلاك سوداء كبيرة كانت قد استوردت لصالح الرئيس شكري القوتلي، واقتناها لاحقاً الحاج سامي، واستعملت بعد التأميم في نقل العمال قبل أن تتحول إلى خردة مركونة في المعمل.
اﻷغرب، أن قراراً ثانياً صدر بمنع الحاج سامي من مغادرة البلاد في حال عودته إلى سوريا.

حسب رواية أميرة فإنها لم تخبر والدها بمضمون المكالمة التي أبلغتها بالتأميم، لأنه كان مريضاً ينوي متابعة سفره إلى النمسا للعلاج، لكنه التقى في المصحة العلاجية في جبال النمسا بتاجر حلبي فاقترب منه هذا وقال له: (معلش حجي ولا يهمك)، فأجابه الحجي: (ليش إيش في؟).
تدخلت أميرة وروت له ما جرى، وقالت له: «بابا أمّموا المعامل، لكن هذا العقل لا يستطيعون تأميمه».
اتصل الحاج بصديقه الشاعر عمر أبو ريشة، السفير السوري في فيينا، وسأله موافاته بالجرائد التي ورد فيها خبر التأميم. ورغم أنه قرأ أن التأميم جزئي فقط، وبدأ من حوله يطمئنونه بأنه لم يخسر كامل المصنع، فقد أمسك بقلم أحمر، وشطب على اسم معمله الوارد في الجريدة وقال: «خلص راح المعمل»، وكان حدسه صحيحاً.

مصادر

● مجلد المجموعة الاقتصادية السنوية لغرفة تجارة حلب من عام 1920م حتى عام 1928 / دار الوثائق الرقمية التاريخية

● مجلد المجموعة الاقتصادية لغرفة تجارة حلب من عام 1930 حتى 1935 / دار الوثائق الرقمية التاريخية 

● مدونة المحامي علاء السيد 


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها