× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

ديمقراطية أبو هاني.. «الهويّة بميّة»!

عقل بارد - أوراقنا 01-12-2020

حتى اليوم، كلما جرت انتخابات نيابية في اللاذقية، تذكر كثير من الناس أبو هاني، وقالوا إن الزمن لم يتغيّر. صحيح أن أبو هاني لم يكن يوماً يهتم بممارسة السياسة، ولم يترشح في أي انتخابات، لكنه بالمقابل كان قادراً على التحكم بمن سيكون تحت قبة المجلس

الصورة: (Mohammed Saleh - فليكر)

كانت علاقة أبو هاني مع السلطة أكثر من جيّدة، بحكم أنه الآمر الناهي في مرفأ البلاد الوحيد، لذلك تسابق السياسيون من أعضاء وأنصار هذا الحزب أو ذاك إلى استرضائه. 

هات الهوية وخود ميّة

في خمسينيات القرن الماضي كانت أحزاب اللاذقية تتوزع تقليدياً على: الحزب الوطني (الكتلة الوطنية)، وحزب الشعب، وحزب البعث، والحزب الشيوعي، والحزب السوري القومي الاجتماعي.

أما الصراع الضاري فكان يدور بين مرشحي كل من الكتلة الوطنية، وحزب الشعب. كان مرشحو الحزبين غالباً من كبريات العائلات الإقطاعية في اللاذقية، مثل: أسعد هارون، ونديم شومان، وفايز إلياس، وأمين رويحة، ومحمد سليمان الأحمد (الشاعر بدوي الجبل)، وعبد القادر شريتح، وغيرهم. 

كان أبو هاني يدعم الكتلة الوطنية، ولذلك «يشتري» لمرشحيها اﻷصوات.

هناك إلى اليوم قول متداول في اللاذقية، سبب نشأته أبو هاني، وهو «هات الهويّة، وخود ميّة». وقصة الواقعة المثبتة، هي أن الرجل قام بوضع «بالات المصاري» / أكياس المال، قرب مراكز الانتخاب في مدينة اللاذقية، وبدأ أزلامه بشراء أصوات الناخبين: كل صوت بمئة ليرة سورية. (المحررة: ما يعادل وقتها خمسين دولاراً، يعني صوت الناخب كان له قيمة وليس كما هو الحال اﻵن). 

ننقل حديث أحد عمّال المرفأ وقتذاك، يقول: «جمعنـا أبـو هـاني في المرفأ، وعـدّ أصواتنا علـى مبـدأ: أعـط الهويـة وخـذ ميـّة. وعلـى مـا أذكـر أحضـر معـه شـوالين (كيسَـين) مـن الأوراق النقدية ذات المئة، أنفقها كلّها في سـبيل الحصـول علـى أصـواتنا». وقد أدّت حركة أبو هاني هذه إلى إنجاح أسعد هارون، زعيم الكتلة الوطنية في الانتخابات. (يشكك المؤرخ عبد الله حنّا، في أن أبو هاني دفع مئة ليرة سورية مقابل كل صوت، لأن قيمتها كانت كبيرة وقتها). 

في الخمسينيات كان البرلمان السوري مقسّماً إلى كتل متصارعة في الغالب، بحكم ارتباط كثير من الكتل بمشاريع إقليمية في السعودية والعراق ومصر

إلى جوار أسعد هارون، كان هناك للكتلة الوطنية عدد من المرشحين المعروفين، منهم: نوفل إلياس، ونديم شومان. 

وفي المقابل، فإن مرشحي حزب الشعب، ومنهم: أمين رويحة، ومحمد شوّاف، ووهيب الغانم (بعثي من لواء إسكندرون)، كانت لهم قائمة يدعمها الشـيخ يوسـف ياسـين، وكان وزيـراً في السـعودية، وله أخ اسمه الحـاج قاسـم كان الدعم يتم عن طريقه، وقد نجحت القائمة أيضاً في الانتخابات. 

سنوات بداية الخمسينيات كانت العصر الذهبي لأبو هاني، خاصة بعد قرار فك ارتباط الجمارك السورية بنظيرتها اللبنانية، إثر المعركة التي قادها خالد العظم، كما ذكرنا في مادة سابقة من هذه السلسلة، وهو ما جعل مرفأ اللاذقية يعج بالبواخر. 
لكن مشكلة المرفأ القديمة استمرت، وهي عدم قدرته على استقبال البواخر الكبيرة، وكان الحل عند أبو هاني كما ورد في الجزء السابق من هذا المقال. ويروى في هذا السياق أن الرجل استطاع أن يقوم بعملية لتصدير مليون طن من الحبوب، حملتها الأيدي ورفعتها إلى البواخر التجارية.

وبقدر ما جلب قرار فك الارتباط الشغل لأبو هاني، فقد مهّد لنهاية مسيرته، خاصة بعد صدور المرسوم التشريعي رقم /38/ تاريخ 12/02/1950، المتضمن إحداث واستثمار مرفأ بحري في مدينة اللاذقية.

كان المرسوم رقم 38 لصالح القضايا العمالية قد وضع في التنفيذ في نيسان العام 1950، حيث شهد مرفأ اللاذقية ولادة شركة مرفأ اللاذقية المساهمة. تعاقب على إدارة الشركة الدكتور عزت طرابلسي، وتوفيق الحياني، ثم تسلمها المهندس محمد نور الدين كحالة، بتاريخ 9/10/1952.
في العـام 1951 بدأت شركة «بوموغرادو» البلغارية إنشاء المرفأ الجديد، وتوسيعه وتعميقه، ووضع رئيس الحكومة وقتها، خالد العظم، حجـر الأسـاس لإنشــائه. 

خلافات المرفأ تحت قبة البرلمان
بدءاً من العام 1952، ظهرت خلافات حادّة بـين أبـو هاني ونور الـدين كحالة، رغم أن الرجلين كانا يدعمان الحزب الوطني. 

كانت هيمنة أبو هاني وسلطته كبيرة على كل واردة وشاردة، وسعى كحّالة لاستصدار قرارات تأميم تخص المرفأ عن طريق البرلمان، إلا أن ذلك اصطدم بصراعات الحزب الوطني، وحزب الشعب تحت القبة.

كان البرلمان السوري مقسّماً إلى كتل متصارعة في الغالب، بحكم ارتباط كثير من الكتل بمشاريع إقليمية. مثلاً؛ كانت كتلة العشائر برئاسة حسين الشعباني توالي العراق والسعودية، وكتلة الوطني توالي مصر عبد الناصر، والكتلة الديمقراطية وضمنها البعث ترغب في سياسة الحياد. 

إضافة الى الصراع التقليدي بين نواب دمشق وحلب، وهو ما تسبب في ردّ مشروع موازنة الدولة للعام 1955 الذي اقترحه أكرم الحوراني. وهذا يعني وفق أعراف البرلمان اعتبار الحكومة ـ برئاسة فارس الخوري وهو من حزب الشعب ـ مستقيلة، إلا أن ذلك لم يتم حتى أعلن فاخر الكيالي، من الحزب الوطني، استقالته التي جاءت نتيجة الصراع على مرسوم العفو للعام 1955 (وفقاً لمذكرات أكرم الحوراني ص 1733).

تأميم مواعين أبو هاني
منذ الخمسينيات ازدادت أعداد البعثيين وتوسّعت نشاطاتهم، لاسيما في اللاذقية وحلب، وعملوا بدأب على ما سموه «ضرب مراكز البرجوازية والإقطاع»،

وفق حديث لـ محمد السيّد رئيس فرع البعث في حلب الخمسينيات (المحررة: هكذا كانت التسمية المستخدمة لدى البعث، قبل أن تحل محلها: أمين). وكان من بين أبرز أهدافهم تأميم مواعين أبو هاني، وشركات الغزل والنسيج، وغيرها.

صحيح أن أبو هاني لم يكن يوماً يهتم بممارسة السياسة، ولم يترشح في أي انتخابات، لكنه بالمقابل كان قادراً على التحكم بمن سيكون تحت قبة المجلس

كان العمل على تأميم مواعين أبو هاني مدار صراع كما أشرنا، وفي جلسة البرلمان المنعقدة بتاريخ 5 شباط 1955، استغل البعثيون، وأولهم أكرم الحوراني، الصراعات الناشئة بين الحزب الوطني، وحزب الشعب، لتمرير مشروع التأميم، وبالطبع كان المعارض الأبرز لمشروع التأميم أسعد هارون.

كانت قصة أبو هاني، ودعمه المالي المعلن ﻷسعد هارون - وهو حقيقة من أغنى أغنياء اللاذقية - قد وصلت إلى المحكمة العليا. ومع ثبوت تدخل أبو هاني، والشهادات التي قدمت ضد هارون، أقرت المحكمة فسخ نيابته، ما فتح الباب أمام تمرير مشروع تأميم مواعين أبو هاني. 

لم تكن تلك اﻷحداث قليلة التأثير، إذ ساهمت في سقوط حكومة فارس الخوري، وتشكيل حكومة جديدة على يد صبري العسلي.

في تشرين الثاني 1955، حصلت عملية التأميم، وتم تجريد أبو هاني من أملاكه من قوارب، ولنشات، ومواعين، وضمّت كلها إلى ملاك شركة المرفأ المحدثة. كما مُنع الرجل من دخول حرم المرفأ، بضغط من النواب البعثيين، (ومنهم نوّاب اللاذقية)، وقضى السنوات التالية من حياته «متحسّراً على ضياع تعبه»، إذ لم يتم التعويض عليه بأي مبلغ، وفق ما هو متداول بين سكان اللاذقية. 

توفي أبو هاني في العام 1958، وانتهت حكايته، لكن أسعد هارون عاد إلى النيابة مرة أخرى. 

من بين الشواهد على حقبة أبو هاني الذهبية في اللاذقية، تبرز منارة جامع ابن هانئ، التي كتب في لوحتها: «أبو هاني بناها لابن هاني»، ودرج جامع المغربي الذي بناه أيضاً أبو هاني.

مصادر

- «مرويات الدارسين السوريين في معهد 16 تشرين الثاني للثقافة العمالية والإعداد النقابي من شرائح متنوعة من المجتمع السوري في أعوام 1988 – 1987 – 1986». من إعداد مدرّس الحركة النقابية والعمالية العربية في المعهد بدمشق عبد االله حنا.

- منشورات عن أبو هاني في عدد من المواقع السورية، أبرزها حديث اللاذقاني فايز فضول

- مذكرات أكرم الحوراني


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها