× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

التجربة الإسبانية: 2- الدمقرطة برعاية ملكيّة!

عقل بارد - شعوب وحروب 13-01-2021

لم يأت التحول الديمقراطي في إسبانيا، وتسارعه في أقل من عقد، من فراغ. لعبت مجموعة عوامل جذرية في قلب المجتمع اﻹسباني دوراً أساسياً في تشكّل وعي سياسي عمومي، وتضافرت معها عوامل خارجية

استعرضنا في المقال السابق بعض الأجواء التي سبقت عملية التحول الديمقراطي في إسبانيا، وصولاً إلى وفاة الديكتاتور فرانكو - الذي لقّب نفسه بالكوديو أو الزعيم ـ لتبدأ بعدها عملية معقدة لتفكيك نظامه.

يختلف المؤرخون اﻹسبان على المدى الزمني لمرحلة التفكيك تلك، منهم من يرجع بدايتها إلى لحظة وفاة فرانكو 20 تشرين الثاني 1975، وصولاً إلى نهاية فترة حكومة حزب اتحاد الوسط الديمقراطي في 28 تشرين الأول 1982، في حين يضعها آخرون بين تنصيب خوان كارلوس الأول ملكاً لإسبانيا (في 22 تشرين الثاني 1975) ودخول دستور العام 1978 حيز التنفيذ، لكن الآراء الأكثر تتوافق على حصر الفترة بين وفاة فرانكو، وفوز حزب العمال الاشتراكي الإسباني في الانتخابات التشريعية العام 1982. 

كذلك، هناك خلاف في تحديد نقطة إنجاز التحول الديمقراطي، بين منتصف الثمانينيات حين انضمت إسبانيا إلى السوق الأوروبية المشتركة وصادق الإسبان على استفتاء عضوية الناتو بالموافقة، أو منتصف التسعينيات، مع بداية عمل حكومة الحزب الشعبي العام 1996.

على أن الأكثر أهمية بالنسبة لنا، معرفة السياق الذي تمت فيه عملية التحول، وفهم البيئتين المحلية والدولية، مع استقراء ﻷهم المحطات التي عبرتها عملية الدمقرطة، والانتباه إلى ما يمكن أن يتشابه مع الحالة السورية، مثل الذاكرة الجمعية، وملف المفقودين، ونوعية العدالة التي رافقت عملية التفكيك. (ليس بعيداً عن الذهن ما ثار من نقاش حول عمل اللجنة الدستورية السورية، ومسألة العدالة المتوخاة).
كان من المهم ﻹسبانيا وجود نقطة مرجعية تتفق عليها كل الأطراف في عملية التغيير، تعلو فوق التاريخ والدم وتتجه بالبلاد صوب التغيير الحقيقي

أهم محطات الانتقال الديمقراطي اﻹسباني

الانتقال الديمقراطي الإسباني (بالإسبانية: Transición Española) عملية سياسية انتقلت فيها إسبانيا من نظام فرانكو الديكتاتوري إلى دولة ديمقراطية.
توفي فرانكو في 20 تشرين الثاني 1975.
انتقلت السلطة إلى مجلس وصاية حتى 22 تشرين الثاني 1975، ليتم تنصيب خوان كارلوس الأول ملكًا لإسبانيا أمام البرلمان المنتخب.
أبقى خوان كارلوس الأول على حكومة سلفه، برئاسة كارلوس نابارو.
استقال رئيس الحكومة كارلوس نابارو، في 1 تموز 1976 بسبب تضارب توجهات الحكومة المحافظة مع إرادة الملك في إصلاح سياسي.
تم تعيين أدولفو سواريث، رئيساً للحكومة في تموز 1976، وأطلقت حكومته حواراً وطنياً مع فعاليات الطيف المدني والسياسي، استمر أشهراً عدة، من أجل إنشاء نظام ديمقراطي في البلاد.
في 15 كانون الأول 1976، صادق البرلمان على قانون الإصلاح السياسي ودخل حيز التنفيذ بعد استفتاء شعبي.
من أهم ما تضمنه هذا القانون حل النظام القائم (المبني على قوانين فوق دستورية) وترسيخ مفهوم دولة القانون، وتبني نظام برلماني بغرفتين: شيوخ ونوّاب. (هذا أحد الاقتراحات المطروحة للحالة السورية). 
في العام 1977 جرت أول انتخابات تشريعية ديمقراطية منذ الحرب الأهلية الإسبانية. احتل حزب اتحاد الوسط الديمقراطي المرتبة الأولى، من دون تحقيقه الأغلبية، وتم تكليفه بتشكيل الحكومة. 
في العام نفسه (1977) تم تشكيل لجنة صياغة أول دستور ديمقراطي إسباني.
في 6 كانون الأول، 1978 صادق الشعب الإسباني على الدستور، ودخل حيز التنفيذ في 29 من الشهر نفسه.
لم يحدد دستور 1978 شكلاً نهائيّاً للدولة، لكنه شدّد على وحدة الأمة الإسبانية، وكونها «غير قابلة للانفصال»، كما ضمن «حق المناطق في الحكم الذاتي»، المادة 2.
أخذت إسبانيا شكل الفيدرالية اللامتماثلة، اختارت سبع مناطق المستوى الأعلى من الحكم الذاتي، فيما اختارت عشر مناطق مستوى أقل من الحكم الذاتي.
في العام 1981 استقال أدولفو سواريث، من رئاسة الحكومة لتراكم مجموعة من الضغوط، مثل الأزمة الاقتصادية، وزيادة أعمال العنف، إلا أن أصعب المشكلات كانت مقاومة تيارات داخل الجيش الإسباني لأي انتقال ديمقراطي، خاصة مع اﻹعلان عن وجود نوايا لمحاسبة أشخاص كانوا فاعلين في عهد فرانكو.
في 23 شباط العام 1981، وأثناء جلسة برلمانية لانتخاب خلف لرئيسي الشيوخ والنواب، قام العميد أنطونيو تيخيرو مولينا، باحتجاز أعضاء البرلمان، واعتبارهم رهائن، في خطوة كانت جزءاً من محاولة انقلابية.
فشلت المحاولة الانقلابية بفضل صمود الطبقة السياسية الإسبانية، وصرامة الملك خوان كارلوس الأول ـ بصفته قائداً أعلى للجيش الإسباني، وبصفته ضامناً للاختيار الديمقراطي ـ ورفضه العملية الانقلابية كلياً. 
عاش حزب اتحاد الوسط الديمقراطي توترات داخلية بين العامين 1981 ـ 1982، انتهت بحله وتوزعت قواعده بين الحزب الشعبي وحزب العمال الاشتراكي.
في العام 1982 فاز حزب العمال الاشتراكي بالأغلبية المطلقة في الانتخابات التشريعية، مدشناً الولاية التشريعية الثانية للديمقراطية الإسبانية الوليدة.
حتى اليوم، لا تزال هناك مشكلات حقيقية أمام الديمقراطية اﻹسبانية، ومنها النزوع إلى الانفصال / الاستقلال، لدى بعض اﻷقاليم (مثل الباسك، وكاتالونيا). 

العوامل الأساسية للتحول الديمقراطي
لم يأت التحول الديمقراطي في إسبانيا، وتسارعه في أقل من عقد، من فراغ. لعبت مجموعة عوامل جذرية في قلب المجتمع اﻹسباني دوراً أساسياً في تشكّل وعي سياسي عمومي، وتضافرت معها عوامل خارجية، لدى الجيران البرتغاليين، والعالم اﻷوروبي.
أدت التغييرات الاقتصادية إلى حراك طبقي حقيقي أفرز طبقة متوسطة ذات فاعلية، ونحت النسبة العظمى من جمهور هذا الحراك باتجاه السلمية، رغم العنف الذي مورس عليها من قبل الأجهزة اﻷمنية وقوات مكافحة الشغب
من بين العوامل الشديدة التأثير، كانت ثورة القرنفل، التي شهدتها الجارة اﻷقرب، البرتغال، في العام 1974، وأطاحت بدكتاتورية إستادو نوفو (Estado Novo) العسكرية، ومعها بدأت رياح التغيير تعصف بإسبانيا التي تتشابه مع البرتغال في كثير من السمات الاقتصادية والاجتماعية والتاريخية أيضاً، فقد كان نظاما نوفو وفرانكو آخر نظامين عسكريين في أوروبا.
تسببت ثورة القرنفل بتوليد حراك اجتماعي وديمقراطي في البرتغال، لتطلق تغييراً سياسياً شاملاً شابه بعض العنف، بوجود قوي للتيارات اليسارية في كل مفاصل المجتمع، وبتجربة ديمقراطية مقبولة في النقابات والجامعات، وهو ما جعل الجارة الأكبر تتلمس حلم التغيير وتسعى إليه مع انتشار كثيف للوعي السياسي بضرورة التغيير لعب فيه الحزب الشيوعي اﻹسباني دوراً مؤثراً.

أدت التغييرات الاقتصادية إلى حراك طبقي حقيقي، أفرز طبقة متوسطة ذات فاعلية، ومع استمرار تكشف أهوال الحرب الأهلية في إسبانيا الثلاثينيات عبر المقابر الجماعية، وفي البرتغال عبر ثورات مستعمراتها السابقة حول العالم، خاصة في آسيا، فإن الجمهور الغالب في هذا الحراك ـ في البلدين ـ نحا باتجاه السلمية في حراكه، رغم العنف الذي مورس عليه من قبل الأجهزة اﻷمنية وقوات مكافحة الشغب.

في قلب المؤسستين العسكريتين لإسبانيا والبرتغال، كان للانهيار السريع للسياسات الاستعمارية في العالم بداية السبعينيات، وانتشار ثورات التحرر الوطني، وهزيمة الولايات المتحدة في فيتنام، دور في ظهور تيارات إصلاحية (خجول إلى حد ما في ظل القمع الممارس من قبل أجهزة الاستخبارات واﻷمن) إلا أن ذلك لم يلغ وجود رغبة إصلاحية في البلدين.

الملكية تقود التغيير
خلافاً للصورة الشائعة عن الملكيات واستبدادها، فإن عدداً من الدول قادت ملكياتها عملية التغيير الديمقراطي، ومنها إسبانيا والبرتغال. 

بعد تعيينه خلفاً لفرانكو، ورث الملك خوان كارلوس نفوذاً وسلطة واسعين. وبمجرد توليه الحكم، العام 1975، انخرط في عملية دمقرطة البلاد والمؤسسات، مستفيداً من الدعم الدولي ومن المجموعات اﻹصلاحية. 
كان من المهم ﻹسبانيا وجود نقطة مرجعية تتفق عليها كل الأطراف في عملية التغيير، تعلو فوق التاريخ والدم وتتجه بالبلاد صوب التغيير الحقيقي، لذلك كان الملك رمزاً التفت حوله مختلف الفئات، مشكّلاً جسر عبور إلى الديمقراطية. كما يسّر وجود الملك عملية الانتقال الديمقراطي عبر دفع الجيش والقضاء إلى تبني قيم التغيير والجودة والمعايير المهنية في كل هياكل الدولة. لم يتم كل ذلك بسهولة ويسر، فقد كان هناك عدد كبيرٌ من المعوقات في قلب النظام القديم منها:
المحافظون المتشددون: نتاج العقود اﻷربعة لحكم فرانكو، من المستفيدين من النظام والامتيازات التي منحت لهم، وهؤلاء شكّلوا ما عُرف في الأدبيات الإسبانية بالنخب (ultras) أو البونكر (bunker)، وقد شكّلوا مصدر خطر حقيقي باتجاه الانقلاب على مسيرة أي تغيير، بحكم امتلاكهم الثروة والارتباط مع القوى العسكرية والاستخباراتية، لذلك كان على الملك تجنب شرورهم بشكل حقيقي، عبر عدم إقصائهم والتوافق معهم ومع مصالحهم، وهو ما ساهم في التقليل من خطرهم.
من جانب ثان فإن العمل الملكي التوافقي حرص كذلك على عدم خلق فراغ قانوني، فلم يقطع مع الهياكل القانونية السابقة، خصوصاً القوانين الأساسية ـ فوق الدستورية ـ التي أُقرّت عبر عهد فرانكو، مانعاً حصول فراغات قانونية ودستورية في المجالات التي تتناسب مع متغيرات المرحلة، ما ساهم في عدم حصول احتقان داخل اﻷجنحة المحافظة، ويعتبر الفقيه الدستوري توركواتو فيرنانديث ميراندا إيبيا، أستاذ خوان كارلوس في القانون السياسي، منظّر فلسفة التغيير الناعم التي ساهمت في التخفيف من التصادمات بين مختلف مكونات النظامين، القديم والجديد.
المؤسسة العسكرية: كان الجيش اﻹسباني الموالي لفرانكو عماد نظامه، إضافة إلى اﻷجهزة اﻷمنية التي لعبت دوراً كبيراً في ثبات النظام لعقود أربعة، ما جعل دور الجيش مركزياً في عملية الانتقال الديمقراطي، لأنه يلعب دوراً سياسياً رئيسياً في البلاد، خلافاً لمعظم الجيوش اﻷوروبية التي تحوّلت في حقبة السبعينيات إلى لعب أداور بعيدة عن التجاذبات السياسية. (نتذكر هنا أن المؤسسة العسكرية السورية على سبيل المثال كانت الفاعل الرئيسي في انقلابات الخمسينيات، وأن الجيش تحوّل في مرحلة ما بعد إمساك اﻷسد الأب بالسلطة، إلى «جيش عقائدي» ملتزم بفكر البعث، في تشابه نسبي مع الحالة الإسبانية).
كان للمحاولة الانقلابية التي جرت في قلب المجلس البرلماني في العام 1981 أثرٌ كبير في سياق دعم عملية التحول الديمقراطي من جانب، لجهة رفض البرلمانيين الخضوع ﻹملاءات الانقلابيين، ومن جانب ثان أدى إصرار الملك خوان كارلوس على رفض العودة إلى النظام العسكري الانقلابي، ولعبه دوراً مركزياً في إفشاله، إلى دعم حضور الملك لدى الشعب اﻹسباني، وعناصر الجيش الرافضين للانقلاب. كانت تلك المحاولة آخر محاولة انقلابية لعبها الجيش في عالم السياسة، ونهاية الفلول التابعة لفرانكو، وبداية انتقال الجيش نحو مأسسة مختلفة، في عملية تأهيل استمرت عقداً كاملاً.
العنف السياسي:  لعب اليسار اﻹسباني بنقاباته وأحزابه دوراً رئيسياً في مواجهة اﻷجنحة العنفية في البلاد، من حركات انفصالية أو تيارات محافظة في الجيش والدولة، ودعم عملية التحول الديمقراطي بالتالي، إذ شهدت البلاد عمليات تفجير وإرهاب متتالية طيلة سنوات السبعينيات، خاصة من قبل حركة إيتا الانفصالية، ولكن تشريع العملية الانتقالية والنهج التوافقي الملكي مع الجميع والاستماع إلى الآخر، ساهم في تخفيف تلك التأثيرات السلبية إلى الحد اﻷدنى، كما ساهم فتح الجو السياسي في البلاد على مصراعيه (خاصة في اﻹعلام ومكافحة الفساد) في نقل العملية إلى صلب الحراك الديمقراطي، وهو ما جعل الاحتقان العام في أدنى درجاته.

Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها