جُمان أرجوان
الصورة: (Stephen O'Brien - فليكر)
«سأعود إلى أرضي، وأزرعها». بهذه الكلمات يجيب أبو فادي، فور سماعه سؤال: «ما أول شيء ستفعله إن توقفت الحرب الآن»؟
يعيش أبو فادي في إحدى قرى طرطوس، بعد أن نزح من قريته في ريف حماة قبل نحو 8 سنوات.
لم يعد إلى القرية برغم انتهاء المعارك فيها. قام بمحاولة قبل نحو خمسة أعوام، لكنها فشلت. زرع الرجل أرضه، لكنه فوجئ بأن محصوله من الحبوب قد سرق بأكمله.
يعمل أبو فادي، حالياً في نقل البضائع بواسطة شاحنة صغيرة يملكها. يقول: «مع بداية الحرب سُرق الجرار الذي كنت أملكه، وسرقت مضخة الماء من أرضي. خشيت على أطفالي بعد اشتداد المعارك في القرية، فتركت منزلي ونزحت بهذه الشاحنة الصغيرة، استأجرت منزلاً، وما زلت أنتظر انتهاء هذه الحرب».
سلاماً يا قبور!
تنتظر أماني بدورها انتهاء الحرب لتحقق مجموعة كبيرة من الأمنيات، أولها «زيارة قبر أمي»، تقول السيدة البالغة من العمر 61 عاماً، التي نزحت من ريف حلب وتعيش في اللاذقية.
تضيف: «توفيت أمي العام 2013، لم أستطع زيارة قبرها، دفنت هناك في قريتنا ولم أودعها».
خسرت أماني ابنها خلال الحرب، بعد أن تعرضت حافلة كان يستقلها خلال ذهابه إلى عمله للقصف. أُسعف الشاب إلى مدينة حلب، ليفارق الحياة في المستشفى.
تقول السيدة: «زرت قبر ابني بعد أن توقفت المعارك في حلب. كان يفصلني عن قريتي حيث قبر أمي حوالى نصف ساعة، لكنني لم أجرؤ على زيارة القرية. أحياناً ينتابني شعور بأنني سأموت قبل أن أزور قبرها».
قبل اندلاع حرب جديدة!
يبلغ توفيق من العمر 21 عاماً، عاش نصفها تقريباً في الحرب التي سرقت «زهرة شبابه».
يقول مبتسماً: «إن توقفت الحرب الآن، سأتجول بين المدن والقرى السورية جميعها، سأزور كل بقعة ما زالت تحوي آثاراً، أو ما بقي منها، وألتقط صوراً وأوثقها خوفاً من اندلاع حرب أخرى تدمرها. أرغب بزيارة المدن المنسية أولاً».
يقول الشاب الذي يدرس في كلية الآداب: «لست من المهووسين بالآثار، لكنني أحب الإرث الذي تركه من سبقنا، قرأت الكثير ورأيت صوراً لأماكن عديدة أحلم بزيارتها، أو زيارة ما تبقى منها. كيف أنتمي إلى بلاد لا أستطيع زيارة تاريخها؟».
أبو أنس، الذي عاد قبل نحو عام ونصف إلى مدينته حلب، بعد نزوح طويل بين مدن عدة، يقول من دون أي تردد: «إن توقفت الحرب الآن، سأخرج بسيارتي إلى أريحا لأشتري بعض الشعيبيات، ومنها إلى حماة وحمص، ومن ثم إلى اللاذقية، لأعود في اليوم نفسه إلى حلب»، ويضيف: «كان هذا المشوار تقليدياً عندنا، حتى بعد فتح طريق سريع يربط حلب باللاذقية، بقينا نسافر عبر الطريق القديم. تلك المشاوير لا تنسى».
نعدّ الأيام
تقاعد أبو أمجد، قبل اندلاع الحرب ببضعة أشهر. اشترى قطعة أرض صغيرة، بنى فيها غرفتين صغيرتين، وزرع بعض الأشجار، ليقضي فيها سنوات تقاعده. يقول: «وضعت كل ما أملك في أرضي الصغيرة تلك، لكن الحرب سرقتها مني، تماماً كما سرقت ابنيّ اللذين سافرا إلى ألمانيا، ولم أرهما منذ 4 سنوات».
لا يفكر ابنا أبو أمجد في زيارة بلدهما قبل الحصول على الجنسية الألمانية، ودفع بدل الخدمة الإلزامية، خوفاً من خسارة اللجوء في ألمانيا من جهة، وإلحاقهما بالجيش من جهة أخرى.
يقول أبو أمجد متنهداً: «أقضي معظم الوقت في المنزل. نعيش أنا وزوجتي لتمضية الوقت فقط، بانتظار حصول ابنينا على الجنسية، وانتهاء المعارك في المنطقة التي اشترينا فيها أرضنا، لنقوم بإعادة بناء ما تهدم فيها، وزراعتها مرة أخرى، وقضاء ما تبقى لنا من سنوات فيها، كما كنا نحلم دوماً».
لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها
This work
by
SOT SY
is licensed under
CC BY-ND 4.0