أكثم صبر الزمان
إنه صباح يوم عادي في ريف حلب الشمالي، يسبق بأيام قليلة الذكرى العاشرة لاندلاع شرارة الحرب السورية.
ألمح من بعيد شاباً نحيلاً، يحمل حقيبةً ويمشي بسرعة. أخمّن أنه ذاهب إلى عمله. أصل إليه، وأستوقفه.
اسمه محمد الحامد، وعمره 25 عاماً. هو من سكان مدينة مارع في ريف حلب الشمالي، ويعمل معلماً في إحدى مدارسها، كان متأخراً قليلاً عن المدرسة لأسباب تتعلق بعمله الآخر، فراتب المدرسة وحده لا يحقق له العيش الجيد.
أسأله، ما أول شيء ستفعله في حال حصول اتفاق ينهي الحرب بشكل رسمي؟ يجيب بلا تردد: «بدي أطالع جواز سفر، وأطلع من هالبلد. رح حاول أبتعد قدر الإمكان، صعب جداً أن تتحسن حياتنا هنا».
يشرح الشاب أسبابه لـ«صوت سوري»، قائلاً: «من الصعب جداً الوصول إلى الحياة التي نرغب بها في سوريا، حتى بعد انتهاء الحرب. وقتها، سنكون أمام فترة طويلة يجب أن تتعافى فيها البلد، والدولة ومؤسساتها». ويضيف: «قد أقرر البقاء إذا ضمنت توقف الملاحقة الأمنية، وأيقنت أن بوسعي التجول كما أريد داخل الأراضي السورية».
«سياحةٌ داخلية»!
محمد النبهان، شاب من ريف حلب التقينا به خلال تجوالنا في أحياء مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي. يعمل محمد سائق صهريج لبيع المياه، ومدرساً في آن واحد!
يجيب النبهان عن السؤال قائلاً: «سأسعى إلى حياة جديدة بعد حلول الأمن، وانتهاء الخوف والنزوح والتهجير والقصف، سأزور دمشق، وحلب. سأزور سوريا التي حرمتنا منها الحرب».
ويضيف: «طبعاً سأحاول تأمين منزلي الخاص بي وبأسرتي، وإيجاد مصدر دخل آخر يوفر لي حياة جيدة».
العودة إلى الفرات
قصف ونزوح وتشريد، ثم «داعش» وغيرها من الميليشيات، كلها عوامل دفعت أبو مؤيد، الرجل الثلاثيني، إلى ترك مدينته في ريف دير الزور، والعيش في ريف حلب الشمالي مع زوجته وأبنائه الخمسة.
يعمل الرجل في البناء. يختلف اسم مهنته تبعاً للهجات السورية المتداولة: مزرّق، أو مليّس، أو طيّان.
يقول الرجل الخمسيني: «بدي أرجع إلى دوما، أقعد مع الجيران، أفتح الفرن مع أذان الفجر، أسمع حكايات الناس وهمومها، الحرب شردتنا كتير»
أطرح السؤال عليه، يصمت، يسرح قليلاً، ثم يجيب قائلاً: «سأعود إلى منزلي في دير الزور. منزلي الذي تعبت كثيراً في بنائه، ولم أستطع العيش فيه سوى أشهر قليلة. سأعيش كل ما فقدته من حب لجدرانه، ومودة لأهلي الذين أبعدتني الحرب عنهم».
ويضيف: «سأزرع أرضي التي تركتها، وأرويها من فراتها، وأعيش سكينتي كما كنت سابقاً. لقد ظُلمت بشدة لا يمكن وصفها في السنوات الأخيرة، نحن بعيدون عن ماضينا لكثرة مآسينا».
حياة جديدة في حلب
يحاول مصطفى (27 عاماً) تحسين الواقع المعيشي لأسرته التي تقيم في مخيم سجو، بريف حلب الشمالي. يمضي الرجل أيامه في البحث عن عمل، فهو عامل مياوم.
يقول مجيباً عن السؤال: «سنعود إلى منزلنا في مدينة حلب، وأقبل جدرانه، فالخيمة أذاقتنا الويلات. سأشتري غرفة عرسي من أسواق حلب، وأتزوج الفتاة التي أبحث عنها. سأوجد حياة جديدة مستقرة. لا يمكن أن نواصل العيش في خيمة بلا مستقبل أو رؤية واضحة».
خذوني إلى دوما
يكتفي أبو عبدو الفران، بالقول «آه لو ترجع أيامنا الجميلة»، كما يحب أن يسميها.
يعمل الرجل الخمسيني في فرن لصناعة المعجنات، من فطائر وغيرها، في مدينة مارع، التي نزح إليها بعد تهجيره من مدينة دوما، في ريف دمشق.
أمام إلحاحنا في طرح السؤال عليه، يفصّل إجابته قائلاً: «بدي أرجع على دوما، أقعد مع الجيران، أفتح الفرن مع أذان الفجر، أسمع حكايا الناس وهمومها، أعود إلى حياتي الطبيعية بين الأهل، أجمع أبنائي وبناتي وخبيهم بقلبي. الحرب شردتنا كتير».
لا رجوع
يعمل عبد القادر الكوسا، حلاقاً في مدينة صوران بريف حلب الشمالي، هو مهجر أيضاً من مدينة حلب، لكن أصول أجداده تعود إلى صوران. يحاول الرجل تحسين واقعه المعيشي من خلال المواظبة على عمله.
يقول: «سأبقى هنا في مدينتي بين أهلي. لا أستطيع العودة بسبب دمار منزلي ومحل الحلاقة الخاص بي في أحياء حلب الشرقية، ولا قدرة لي على ترميم المنزل، الأفضل التعامل مع الواقع الحالي وفقاً للمعطيات».
كذلك، لا يفكر علي عرفات، في العودة إلى مدينته، حتى ولو انتهت الحرب. هو مهجر من مدينة معرة النعمان، بنى منزله أخيراً في إحدى قرى ريف حلب الشمالي، واستطاع نقل معمل سيف الجلي الخاص به قبل النزوح.
يجيب عن السؤال قائلاً: «لن أعود. كيف نعود إلى ديارنا ونحن غير مطمئنين؟ الميليشيات تسيطر عليها، ولا نستطيع أن نتفوه بأي كلام. لذلك أرى أن البقاء هنا هو الأنسب. أنا لا أبالي بالعودة، حتى وإن حصل اتفاق».
لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها
This work
by
SOT SY
is licensed under
CC BY-ND 4.0