× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

جوبر - حمص: مستقبل حالم بين دمارين واقعيين

حكاياتنا - ملح 16-03-2021

قال: «هذه جوبر. شكلك أول مرة بتمرقي من هون»؟ «نعم هذه هي المرة الأولى التي أجد نفسي فيها وسط هذا الكم الهائل من الأرواح المعلقة»، لم أجبه طبعاً، بل احتفظت بالجملة في داخلي

الصورة: (Emmanuel Catteau - فليكر)

تهيأت للسفر باكراً إلى حمص.

لم يتطلب الأمر كثيراً من الاستعدادات، خاصة أنه لم يعد مطلوباً البحث والتمحيص طويلاً عن سائق «مضمون وشاطر»، منذ أن توقفت المعارك على طرفي الأوتوستراد. 

حجزت المقعد الأمامي لسيارة أجرة (تاكسي)، انتظرنا إلى أن ملأ المقعد الخلفي ثلاثة ركاب، لتبدأ رحلتنا التي أكد السائق أنها ستستغرق «ساعتين وشوي». 

أزيل عدد كبير من الحواجز التي كانت داخل مدينة دمشق، وعلى أبوابها. بقيت حواجز قليلة متناثرة، يجيد السائقون التعامل معها بفضل ورقة المئتي ليرة المهترئة، التي عادة ما تكون كفيلة بعبورنا الحاجز بسلاسة، محفوفين بدعاء العنصر. 

مهلاً! هذه هي المرة الأولى التي أجتاز فيها هذا الدرب، منذ بدء الحرب. عادة ما كنت أشاهد هذه المباني من من بعيد، لكنني اليوم أمر على مقربة منها. 
وضعت هاتفي جانباً، ورحت أتأمل الدمار المحيط بنا. 

أريد أن أعبر من جوبر وهي عامرة بأهلها، كل أهلها، ترتفع أبنيتها الأنيقة من جديد لتحرر الأرواح المعلقة على شرفاتها وتدب الحياة في شوارعها

لاحظ السائق استغرابي. قال: «هذه جوبر. شكلك أول مرة بتمرقي من هون»؟ 

«نعم هذه هي المرة الأولى التي أجد نفسي فيها وسط هذا الكم الهائل من الأرواح المعلقة»، لم أجبه طبعاً، بل احتفظت بالجملة في داخلي.

تباً لقد عادت معدتي إلى عادتها القديمة: تنقبض بشدة عند الخوف. 

اجتزنا جوبر، وعيناي لا تزالان معلقتين ببقايا أبنيتها. أنظر مجدداً إلى السائق، فيقول لي: «لا تخافي ما ضل في قناصة». 

أبتلع الجواب مرة أخرى: «لا يا سيدي، ليس هذا ما يخيفني، بل تخيفني تلك الأبنية، هل ستبقى هكذا معلقة تتلاعب بها الرياح؟؟ متى سيعود أهلها؟». 

آخر مرة زرت فيها جوبر كانت في العام 2010. لا أتذكر جيداً في أي شهر كانت الزيارة، لكنني أتذكر أن والدتي أرادت شراء «مانطو»، فقصدنا جوبر لأن «القماشة هناك جيدة، والأسعار أرخص من الشام». 

أحاول جاهدة أن أنظر إلى الأمام، لعلي أحافظ على تماسكي في ما تبقى من رحلتنا التي أخذ صوت نعيم الشيخ يحتل حيزاً كبيراً منها. 

تقع عيني على عبارة: «ماذا لو رجعنا أحباب»، وضعها السائق على «تابلوه السيارة». 

لكن فعلاً ماذا لو؟ أردد السؤال في داخلي بلا تركيز. ثم أكرره بصيغ مختلفة: 

ماذا لو بتنا في دولة يسودها القانون، وتعترف بالعدالة، كل أنواع العدالة؟ 

ماذا لو نجلس معاً، ونتعارك بالأفكار، فترتفع أصواتنا بالحقوق، ونقر بالواجبات؟ 

ألا تستأهل منا هذه البلاد التعيسة أن نفكر بـ«لو» واحدة؟ 

ماذا يتطلب الأمر منّا؟ 

هل يتطلب أن نتخلى عن الكراهية التي تملأ قلوبنا فتعمي أبصارنا وبصائرنا؟! 

هل يتطلب أن نكون صادقين مع أنفسنا، وأهلنا؟ 

هل يتطلب الاعتراف بمصالحنا المشتركة، والعمل من أجلها؟ 

أم هل يتطلب الابتعاد عن كل الأجندات السياسية الجاهزة لتُرمى في أحضاننا كلما فكرنا بحل ما، فتضيع بوصلتنا؟ 

ماذا لو أن الزمن قفز بنا خمس سنوات إلى الأمام؟ هل ستظل عيوننا مشدوهة إلى الخلف؟ إلى الماضي؟

أريد أن أعبر من جوبر وهي عامرة بأهلها، كل أهلها، ترتفع أبنيتها الأنيقة من جديد لتحرر الأرواح المعلقة على شرفاتها وتدب الحياة في شوارعها. 

أريد أن أعبر الأتوسترادات من دون توقف، إلا لأشرب القهوة، أو أتذوق الهريسة النبكية من دون أن أفكر: كم سيكون ثمن كل قضمة منها، وهل ستكفيني نقودي أم لا.. 

أريد أن أسكن في مكان تُحترم فيه إنسانيتي، تصلني فيه الكهرباء من دون أن تنقطع كل خمس دقائق، مكان لا تكون اللقمة، ولا الكلمة معركة يومية علي خوضها بحذر مضاعف.

أريد أن يختفي الحيتان، وأن يتوقف الأخطبوط القبيح الذي ينشر أذرعه على طول المدن والبلدات السورية، منذ ما قبل الحرب. (هل أبالغ مثلاً حين أقول إنني أريد أن أشاهد البحر من الكورنيش الغربي للاذقية)؟!

أريد أن نتحدث بحرية عن أفكارنا وانتماءاتنا واختلافاتنا، أن نكون على حقيقتنا.

أريد أن..«الحمد لله ع السلامة»، يقول السائق، فأنتبه من شرودي الذي طال كثيراً.

«السلامة»؟ أتساءل في داخلي بينما أتمتم «الله يسلمك»..

...

الملف كاملاً: سوريا التي نريد

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0