شغف
الصورة: (ShelterBox - فليكر)
إذا حاولنا التفكير بسوريا كما نريدها يوماً ما، فلا بد من التوقف عند قطاع التعليم بوصفه أولوية قصوى. ففي الدول المتقدمة، يعد التعليم معياراً أساسياً للتقدم الثقافي، والاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي. وتبعاً لذلك لا بد أن نبدأ بالبحث من خلاله إلى تطلعاتنا المستقبلية.
ليكون الهدف صائباً، ينبغي أن يكون الكادر التعليمي جزءاً أساسياً من عملية إعادة هيكلة التعليم، من خلال تحقيقه مواصفات عديدة تضمن قدرته على المساهمة بشكل فعال في التنشئة الاجتماعية الصحيحة علمياً وتربوياً، بالاستناد إلى الأنثروبولوجيا التربوية.
من المسلم به أن دور الكادر التعليمي ينبغي ألا يقتصر على تلقين الدروس فقط. فعلاوة على الفهم الكامل للمنهاج، والقدرة على إيصاله بالطريقة الصحيحة باستخدام كل الوسائل الحديثة، لا بد من إيمان الكادر، وسعيه إلى دعم، قدرة كل طفل/ـة على التطور بحرية واستقلالية، إضافة إلى معرفة الملف الشخصي لكل طالب/ـة، وظروفه/ـا النفسية، والاجتماعية، والتركيز على كل ما هو إيجابي لدعمه وتطويره، ومساعدة من يحتاج على اللحاق بالمتفوقين / ات، بدلاً من سياسة العقاب، والترهيب، والإقصاء.
البديهي طبعاً، أن موقع المعلمين والمعلمات في سلم الرواتب ينبغي أن يكون متقدماً، بما يضمن دخلاً مريحاً.
السبيل المنشود، هو تحول المدرسة أداةً لتحقيق المساواة الاجتماعية، وهذا ما تعمل به فنلندا، وهي صاحبة أحد أفضل نُظم التعليم عالمياً، وعند سؤال وزير التعليم السابق في فنلندا عن ذلك أجاب: «احترام التعليم جزء من الهوية».
من المهم الإشارة هنا إلى أن نسبة المقبولين لممارسة مهام التعليم في فنلندا، لا تتجاوز 10% فقط من مجموع المتقدمين، بسبب المعايير العالية المطلوبة لممارسة هذه المهنة.
بناء دولة قوية لا بد أن يبدأ من التعليم، ضمن عملية ديناميكية بعيدة عن التسييس، تحول المدارس مكاناً لصهر الاختلافات العرقية والدينية واللغوية داخل البلد الواحد
لا بدّ من وجود قانون ينص على مجانية التعليم بشكل كامل، وإلزاميته حتى عمر 18 عاماً.
لا يكفي وجود قوانين تنص على إلزامية التعليم من دون تطبيق. وليس المقصود هنا بتطبيقها تهديد أولياء الأمور بالملاحقة كما يقول الفهم القاصر، بل ضمان تطبيقها عبر تحويل التعليم والتعلم إلى أسلوب حياة، وطبعاً بعد ضمان حدّ من الدخل الذي يوفر حياة كريمة للأسر.
تتوخى بعض النظم التعليمية المتميزة مراعاة نفسية الطلاب والطالبات، بعدم تحميلهم / نّ ضغطاً بسبب الدراسة، عن طريق التقليل من الواجبات المنزلية وإلغائها في بعض الأحيان.
ينبغي تغيير مفاهيمنا عن الدراسة، وإخراجها من حيز الامتحانات الكثيرة والكتب المكدسة التي لا يُستفاد منها. هذا مثلاً ما تطبقه هولندا، الحاصلة على تقييمات عالمية مهمة في التعليم، وفي الوقت نفسه يعتبر أطفالها هم الأكثر سعادة في العالم، بحسب يونيسيف، الأمر الذي أكدته أيضاً دراسة حديثة أجراها المكتب الإقليمي الأوروبي، التابع لمنظمة الصحة العالمية العام الماضي.
تقول الخلاصات الدقيقة لتجارب كثير من الشعوب، إن بناء دولة قوية لا بد أن يبدأ من التعليم، ضمن عملية ديناميكية بعيدة عن التسييس، تحول المدارس - الابتدائية على وجه الخصوص - مكاناً لصهر الاختلافات العرقية والدينية واللغوية داخل البلد الواحد.
هل تبدو الفقرة الأخيرة في نظر البعض ضرباً من التنظير؟
حسناً، هذا ما اتبعته سنغافورة، التي تحولت في أقل من خمسين عاماً من دولة فقيرة بغالبية أمية، إلى دولة تضاهي الدول المتقدمة، وتزيد من إنفاق ميزانيتها على التعليم ليبلغ متوسط الإنفاق على طالب /ـة التعليم الإبتدائي 7138 دولاراً، والتعليم المتوسط 6417 دولاراً، والتعليم العالي 11607 دولاراً، سنوياً.
لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها
This work
by
SOT SY
is licensed under
CC BY-ND 4.0