× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

مافيات عابرة للجغرافيا: حين تصير الحرب «كعكة»!

عقل بارد - على الطاولة 17-03-2021

إذا كانت إعادة الإعمار «كعكة» تروج أحاديث عن صراع حولها، فإن الحرب بحد ذاتها وجبة دسمة، وصالحة للاستثمار الاقتصادي. ومع دخول الحرب السورية عامها العاشر تغولت أطراف نمت وترعرعت في أتون المعارك، وقد تقاتل لاستمرارها، وقطع الطريق على «الغد»!

الصورة: (Mikhail Pochuev - فليكر)

على امتداد الأوتوسترادات والطرق الواصلة بين المدن السورية، تنتشر عشرات الحواجز العسكرية والأمنية، لغايات ظاهرها تفتيش السيارات والآليات والحمولات، وجوهرها تحصيل عمولات، ورُشى، وإتاوات مقابل السماح للسيارات والشاحنات بالمرور. 

هذه الظاهرة - وبرغم بعض الإيحاءات الشكلية بالحد منها - ما زالت مستمرة، لتكون واحدةً من المغذيات الفاعلة للحرب. 

الانتشار الكبير للحواجز من مختلف القوى العسكرية المنتشرة على الأراضي السورية، كان منذ سنوات طويلة مصدر دخل شديد الأهمية لتلك القوى، وضامناً لاستمرارها، وزيادة نفوذها، خاصة في ظل تراجع مستوى المساعدات المالية والعسكرية التي تتلقاها الفصائل المعارضة من جهة، والانهيار الاقتصادي المستمر الذي ضيّق الخناق على دمشق، والقوى العسكرية التي تدور في فلكها من جهة أخرى.

تمكن ببساطة ملاحظة فورة الشركات الجديدة التي بدأت تظهر وتنمو في مناطق سيطرة دمشق خلال العامين الماضيين، مع عائدية نسبة وازنة منها إلى «أمراء الحرب» الذين انتقلوا إلى عالم «البزنس»، لاستثمار المكتسبات المالية الضخمة التي راكموها لسنوات.

وعلى مسارٍ موازٍ، تمكن ملاحظة توسع حجم الاستثمارات السورية في تركيا خلال الأعوام الماضية، فبالإضافة إلى رؤوس الأموال السورية التي هاجرت بسبب الحرب، ظهرت أيضاً استثمارات سورية مستجدة، عدد كبير منها مرتبط بـ«أمراء الحرب».

خبرات تراكمية

خلال السنوات الأولى، لم تكن ظاهرة استثمار الحرب قد أخذت شكلاً منظماً ومؤسساتياً، فطغت على المشهد عمليات سرقة ونهب، وتفكيك ونقل وبيع كل ما يمكن بيعه، قبل أن تتطور هذه الأعمال مع استمرار الحرب، وتأخذ شكلاً أكثر احترافية.

في العام 2014، حاول أحد التجار إخراج بضاعته من سوق المدينة القديمة في حلب، الذي كانت تسيطر عليه فصائل معارضة. وجد الرجل نفسه أمام طريقين: إما إلى أحياء حلب الشرقية التي تسيطر عليها المعارضة، أو إلى الأحياء الغربية التي تسيطر عليها الحكومة السورية. حينها فوجئ التاجر بأن المبلغ الذي يجب عليه دفعه مقابل سير العملية بنجاح، هو ذاته في الاتجاهين!

هذا الأمر لوحظ تكراره في مناطق احتكاك عديدة، بين مواقع سيطرة الحكومة، ومواقع سيطرة الفصائل المعارضة.

كذلك، وفّرت نقاط التماس بين الأطراف المتصارعة، شكلاً من أشكال استثمار الحرب، فنشطت خطوط تهريب تكسبت منها مختلف الأطراف. وما زال عدد من المعابر نشطاً حتى الآن في مناطق عدة، أبرزها ريف حلب الشمالي، ومناطق ريف إدلب المحاذية لحماة.

نسجت المافيات علاقات معقدة قائمة على المصالح العابرة للجغرافيا، وهي قادرة على استخدامها لإزاحة أي عقبة تعترضها، ولعلّ أبرز العقبات انتهاء الحرب، وانتفاء سبب وجود تلك الشبكات!

في الشهر الماضي، شهدت محافظة الحسكة توتراً كبيراً بين قوات سوريا الديمقراطية، والجيش السوري، والقوات الرديفة له. لم تتطرق وسائل الإعلام بمختلف ميولها إلى سبب التوتر الأساسي، وهو خلاف حول المبالغ الواجب دفعها للحواجز مقابل السماح للقوافل بالمرور، إذ رفعت الحواجز الأمنية الموالية لدمشق قيمة الرسوم التي تفرضها، لترد قسد، بمضاعفة الرسوم التي تفرضها بدورها، قبل أن تتدخل روسيا وتنزع فتيل التوتر.

سماسرة العقوبات

ثمة طرق أخرى أكثر تطوراً وتنظيماً لتجارة الحرب، بعضها فرضته ظروف السيطرة الميدانية، وبعضها جاء استغلالاً للعقوبات الأوروبية والأميركية.

وفي ظل تدمير جزء كبير من البنى التحتية ووسائل الإنتاج، صار الاعتماد على الاستيراد أساسياً، سواء بشكل نظامي، أو حتى عن طريق التهريب.

النفط والقمح، هما أبرز المواد التي دخل سماسرة دوليون في لعبة توريدها بطرق التفافية رفعت أسعار المواد، الأمر الذي يدفع الشارع السوري ثمنه.

في العامين الماضيين شهدت مناطق عديدة من البلاد حرائق واسعة أتت على مساحات كبيرة من حقول القمح والحبوب. تبادلت الأطراف اتهامات سياسية، فيما انبرت الشركات الوسيطة لسد النقص عبر مزيد من عمليات الاستيراد. 

شبكات معقدة

لا تقتصر عمليات السمسرة على التعاملات الخارجية والاستيراد فحسب، بل ظهرت ونمت أيضاً شركات تمارس السمسرة داخل البلاد، من بينها شركات تختص بنقل النفط من مناطق سيطرة قسد، إلى مناطق سيطرة المعارضة، ومناطق سيطرة «هيئة تحرير الشام»، كما إلى مناطق سيطرة دمشق.

تُضاف إليها شركات متخصصة في عمليات تبادل البضائع، ونقل الحبوب والمحاصيل الزراعية، وبعض المنتجات الأخرى، ما أخضع معظم التبادلات التجارية الداخلية لمتنفذي الحرب.

العلاقات التي نسجها القائمون على هذه الشركات (إن صحت تسميتها شركات) مع مختلف أطراف الصراع على قاعدة المنفعة المتبادلة، وربط سلسلة معقدة من المصالح وتشبيكها، وإقامة شبكة علاقات متعددة المستويات، تحولت إلى سلاح يمكن استخدامه في أي وقت لإزاحة العقبات التي تقف في وجه هذه المصالح، ولعلّ أبرز هذه العقبات انتهاء الحرب، وانتفاء سبب وجود الشركات ذاتها!

أذرع خارجية

بالإضافة إلى ما سبق، شكّلت الأرض السورية مع استمرار الحرب، وتوسع دائرة الصراع السياسي ودخول قوى إقليمية ودولية فيه، أرضاً خصبة لاستثمارات اقتصادية على هامش السياسة، الأمر الذي يمكن تبينه بوضوح عبر متابعة نشاط الشركات التركية في الشمال السوري، أو نشاط الشركات الإيرانية التي وسّعت مساحة استثماراتها ونوعتها في مختلف المجالات في مناطق سيطرة دمشق، أو حتى الشركات الروسية التي تستثمر في النفط والثروات الطبيعية مثل الفوسفات، والنقل البحري وغيرها.

بخلاصة تكثيفية؛ نحن أمام تجذر شبكات عديدة، على مستويات مختلفة من الشركات والمصالح والاستثمارات القائمة أساساً على فكرة الحرب ذاتها، والظروف المرافقة لها، سواء التهريب، أو فرض الإتاوات، أو الاستيلاء على الأملاك في مختلف المناطق، أو حتى استثمار السوريين أنفسهم عن طريق تجنيدهم وإرسالهم للقتال بإشراف مافيات دولية في مختلف أصقاع الأرض. كل ذلك من دون الخوض في ظواهر أخرى بدأت تتبلور نتيجة استمرار الصراع وغياب الرقابة، أبرزها عمليات إنتاج المخدرات وتصديرها أيضاً.

ما سبق كفيل بطرح تساؤلات شديدة الأهمية حول موقف هذه الشبكات - ومن خلفها - من أي مقاربة لمصالحات حقيقية، أو حلّ يضمن الحديث عن غد سوري بلا حرب. 

لا شك في أن مسألة إنهاء الصراع، إذا ما دقت ساعة التوافقات الدولية والإقليمية تبدو محسومة نظرياً، غير أن تجار الحرب ومستثمروها يحتفظون بقدرة كبيرة على تقويض أي توافق، أو على أقل تقدير إرجاء تنفيذه إلى أبعد وقت ممكن.

الملف كاملاً: سوريا التي نريد


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها