× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

سوريا في قصر العدل!

حكاياتنا - ملح 18-03-2021

أمام باب المحكمة بدأت أحدق بالوجوه الخارجة والداخلة، بالرشاوى البسيطة والكبيرة المضمومة في أعباب المواطنين، بالحراس، بالشجر الكئيب، برجلٍ يده في الأصفاد، بالشرطة والشعب الّذي هي في خدمته، بالمحامين وحقائبهم الجلدية الأنيق

نجحت في الوصول قبل دقائق من الموعد، لم يذهب الركض واللهاث سدىً. صحيح أنني كثيراً ما أتأخر عن المواعيد، لكن ليس ذلك الموعد. 

كل أسبوع كان المشهد يتكرر: أسابق الزمن كي أصل المنزل في الموعد نفسه. لم يكن الأمر مقتصراً علي، ولا على معظم أبناء جيلي فحسب، أبناء أجيال سابقة، ولاحقة أيضاً، اعتادوا المسارعة في الوصول إلى المنزل ظهيرة كل يوم ثلاثاء، عند الساعة الواحدة والنصف. إبرة المذياع مضبوطةٌ على تردّد إذاعة دمشق، أبواب تصفق على عجل، عائلات متحلّقة في غرف الجلوس، رجالٌ على أبواب المحال، عساكر في خدمتهم الإلزامية التي لم تكن تتجاوز السنة والنصف، ربات بيوت في مطابخهن، موظفون في مكاتب لم يفلحوا في الفرار منها باكراً ..إلخ 

الكل ينتظر شارة بدء المسلسل الإذاعي الأثير «حكم العدالة».

سحرتنا فطنة المساعد جميل، سحرنا انتصار العدالة. 

تخيّل/ي معي شعباً كاملاً يرتفع أدرينالينه حين يسمع جملة «حكمَت المحكمة»!

 أول مرة دخلت المحكمة كانت حين أردت تسجيل زواجي. حضرنا ملفّاً لدى معقّب معاملات، ثم اتضح أنه يتوجب علينا الحضور بشكل شخصي كي نقابل القاضي الشرعي ونقوم بتوقيع بعض الأوراق، في واحدةٍ منها توجد خانة المهر، وعليّ أن أضع رقماً. قلت: «لكنني لا أريد». أخبروني بأن هذا إجباري. قلت: «حسناً فلنضع 25 ليرة كي نملأ الخانة وحسب». 

بسبب الوجوم العام الّذي خلفته ثورتي الصغيرة تلك، أضفت بضعة أصفار للرقم، خذي أصفاراً حتى ترضي أيتها المحكمة الشرعية، طالما أنت خيارنا الوحيد المتاح كي نحظى بعائلة. 

في المرة الثانية وقفت أمام باب المحكمة ثم قفلت عائدة. 

كان ذلك بعد تعرّضي لتهديدات بالقتل من أشخاص لا أعرفهم، هكذا ببساطة راحت تصل إلى هاتفي، وهاتف زوجي رسائل فيها تهديدات لي، من دون سبب أدركه، إذ ليست لديّ خلافات جسيمة مع الناس، ولست شخصيّةً عامة كي أطارَد! يمكن القول إنني - بطريقة ما - من النوع الذي «يمشي الحيط الحيط ويقول: يا ربّي السّترة». 

فكّرنا أنا وزوجي بالادعاء على أصحاب تلك الأرقام الهاتفية المجهولة، التي تُرسل منها رسائل التهديد. قلنا: جيد قبل أيام صار في البلد قانون مختصّ بالجريمة الإلكترونية، أعلم أنّ تهديد القتل أمر أكبر من جرم إلكتروني، لكن لا بأس. 

أمام باب المحكمة بدأت أحدق بالوجوه الخارجة والداخلة، بالرشاوى البسيطة والكبيرة المضمومة في أعباب المواطنين، بالحراس، بالشجر الكئيب، برجلٍ يده في الأصفاد، بالشرطة والشعب الّذي هي في خدمته، بالمحامين وحقائبهم الجلدية الأنيقة، بالمساعد جميل. 

هناك، على باب المحكمة أدركتُ أنّ خوفي من الدخول إلى قصر العدالة أكبر بمراحل من خوفي السّخيف من مجرمي الـ«واتس أب». 

المرة الثالثة لم تكن في البلد الّذي فتنتني العدالة المنبعثة من مذياعه، وأثارت ذعري تلك التي تدور في محاكمه. بل في البلد الّذي هاجرت إليه، ذهبت كي أرفع دعوى ضدّ حكومة المقاطعة التي أسكنها، وربحت!  

قد يبدو ما أريده بسيطاً، سخيفاً، مقارنةً بمطالب أُخرى كثيرة، ومحقّة يريدها سواي. لكنني ببساطة أريد بلداً أستطيع فيه الزواج بالشكل الّذي أتمناه، بلداً لا ترعبني فكرة الدخول إلى محاكمه سواء كنت مدّعيةً أو مدّعىً عليها، بلداً عدالته ليست حبيسة المذياع فحسب!

الملف كاملاً: سوريا التي نريد

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها

This work by SOT SY is licensed under CC BY-ND 4.0