× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

أنثى في الباص: هلموا أيها المتحرشون!

حكاياتنا - ملح 12-04-2021

لست ابنة واحدة من المدينتين الكبيرتين في سوريا، وكنت أعيش في وسط مدينتي، لذا ونظراً إلى أن كلّ الأماكن التي أزورها كان يمكن قصدها سيراً على الأقدام، بدأت علاقتي متأخّرةً مع وسائل النقل الداخلية.

الصورة: (Mike Turner of England - فليكر)

على امتداد أسبوع انشغل العالم بسفينة عالقة، تحمل علم بنما. لن أكرر القصة هنا، فهذا لن يزيد أو ينقص من معلومات القارئ/ـة. 

ما أريد قصّه أنني تشاركت السكن مع فتاة من بنما، مهاجرة غير شرعية إلى البلد الذي أقيم فيه. 

كنت قد غادرت سوريا حديثاً، وبدأت أتلمّس الحياة الجديدة. لم تصبني دهشة المهاجر/ة المعتادة، ولو! نحن أبناء الإنترنت، نعرف كل شيء عن كل شيء، ولو أن كثيراً من معارفنا وصل إلينا بسرعة 56 كيلو بايت في الثانية.

كانت الفتاة البنميّة تحب لعبة المقارنات، الـ هنا والـ هناك. 

مرةً كنّا نعبر معاً ممر مشاة لا تحرسه إشارة ضوئية، وعذراً هنا ليس لقلّة المعرفة، بل لقلّة العادة وقفتُ جزءاً من الثانية أنتظر السيارات كي تعبر قبلي، ثمّ تذكّرت أن الأحقية لي، ومشيت. 

قالت الفتاة البنميّة: «هل هذا معتاد في بلادك؟ يا إلهي! هنا تتوقّف السيارات كي نمرّ، هناك لا يفعلون ذلك، فاجأني الأمر كثيراً أول قدومي». والـ«هناك» في جملتها هو بنما. 

قلت لها: «عفواً؟ لا حبيبتي، هناك يمكن أن تصعد السيارة إلى الرّصيف كي تدهسك، ثم تكمل طريقها». والـ«هناك» في جملتي هو سوريا طبعا. 

راحت تضحك، وظنّتها مبالغة ظريفة في لعبة المقارنات، لكنني لم أصرّ على تأكيد معلومة صعود السيارات إلى الأرصفة، فأنا لا أحب لعبة المقارنات أساساً.

لست ابنة واحدة من المدينتين الكبيرتين في سوريا، وكنت أعيش في وسط مدينتي، لذا ونظراً إلى أن كلّ الأماكن التي أزورها كان يمكن قصدها سيراً على الأقدام، بدأت علاقتي متأخّرةً مع وسائل النقل الداخلية، تحديداً في السنة الأولى من الجامعة. 

تحضيرات اليوم الجامعيّ الأوّل كانت عبارة عن دفاتر، وحقيبة كبيرة، وملابس تلائم الصعود والنزول من السيرفيس، وليرتان ونصف الليرة تعرفة الذهاب، ومثلهما من أجل الإياب. 

لم يكن من المقبول اجتماعياً في مدينتي جلوس أنثى في المقعد بجانب السائق. لكنّه كان حلاً جيّداً في مدنٍ أخرى أكثر انفتاحاً، أو ربما لأنني كنت فيها غريبة وبالتالي سلطة المجتمع عليّ أقل

قبل مدة، وإثر واحد من حوادث التحرش التي تضجّ بها وسائل التواصل الاجتماعي بين فترة وأخرى، صادفتُ منشوراً على فايسبوك يتحدث عن حجم التحرش الذي تتعرّض له المرأة في وسائل النقل في العاصمة دمشق.

المفروض أن لا جديد في الذي تقوله، صحيح؟ لا ليس صحيحاً. تبيّن لي أنّ الأمر أثار دهشة كثير من الرجال السوريين، عدد لا بأس به من المعلّقين على الموضوع لم يكن يعلم شيئاً عمّا كان (ولا يزال) يحصل. 

لذا، عزيزي القارئ، إذا كنت منهم أرجوك لا تفغر فاهك حين تعلم أن ثيابي المحتشمة لم تحمني من التحرشات اللفظية، والجسدية في السرفيس.
يوماً بعد يوم، طوّرتُ آليّات دفاعيّة في معركة السرفيس اليومية التي يتوجب عليّ خوضها، بدءاً بمحاولة رصد مكان مناسب، الأفضلية تعود للمقعد الأول حيث أكون محميّة إلى حدّ ما. أقول: إلى حدٍّ ما، لأن إصبع راكبٍ في المقعد خلفي استطاعت مرّة التسلل إليّ من فراغ لم أكن أنتبه إلى وجوده بين جزئي المقعد. 

أما «الفيتو» فهو حتماً من نصيب المقعد الخلفيّ في الزاوية الأخيرة، ولو كلّفني الأمر ساعات من الانتظار.

في كثير من المرّات كنت أدفع أجرة راكبين لتجنّب جلوس متحرّش محتمَل قربي، لكن في أزمات النقل التي كانت تحصل بين الفينة والأخرى (طبعا بشكل أقلّ بكثير مما يحصل اليوم) كان ذلك التصرف يبدو لي شديد الأنانية.

لم يكن من المقبول اجتماعيّاً في مدينتي جلوس أنثى في المقعد بجانب السائق. لكنّه كان حلاً جيّداً لجأت إليه في مدنٍ أخرى، أكثر انفتاحاً، أو ربما لأنني كنت فيها غريبة وبالتالي سلطة المجتمع عليّ أقل. 

في مراحل لاحقة صرت أحمل مشرطاً في حقيبتي. فكرة مضحكة أن تهدّدي رجلاً بمشرط كنت تستخدمينه في حصّة الأشغال اليدويّة. 

أستطيع القول إنّ شخصيّتي العدائية تطوّرت ونمت عند مواقف السرفيس، لم يعد النّاس بالنسبة إلي ركاباً، بل هم مجرمون حتّى تثبت براءتهم، وربّما كنت أنا في نظر أحدهم مجرمة حتّى أصفق باب السرفيس خلفي.

الغضب كان هو من يشير للسائق كي يقف، وهو من يختار مكان الجلوس، وهو من يدفع الأجرة ويطالب بالباقي، وهو من امتلك أخيراً القدرة على الصراخ في وجه المتحرشين، وطردهم من السرفيس، بل وأحياناً الدفاع عن فتيات غضّات اشترين قبل أيام ثياباً يتوهمن أنها ستحميهن من أشرار وسائل النقل العامة!


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها