× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

التجربة اليوغوسلافية: 3– وقود «الخوف» فوق جمر الهويات

عقل بارد - شعوب وحروب 25-04-2021

نتابع في هذه الحلقة استعراض تجربة الحرب والسلم في يوغوسلافيا، ونحاول تشريح أهم العوامل التي سببت نهاية الدولة الفيدرالية اليوغوسلافية، بعد اقتتال أهلي دامٍ

الصورة: (rvjak - فليكر)

كان متاحاً أن تأخذ الاتجاهات القومية والعرقية في يوغوسلافيا مسارات مختلفة، بما فيها مسار وحدة جديدة، أو حتى «طلاق مخملي»، لولا وجود تدخل دولي علني، بغاية حماية مصالح بعض الدول ومجالاتها الحيوية في منطقة حساسة جدّاً ﻷوروبا. 

كانت للتدخل الخارجي وجوه مختلفة، من أهمها ما تستر خلف التأكيد على الحقوق القومية للجماعات اليوغوسلافية، ودعمها (كان السلاح متوافراً بسهولة فقد كانت يوغوسلافيا دولة مصدّرة له).

أسهم تأجيج النزاعات الهوياتية في أخذ المجريات نحو الحرب، مثلما حدث في كثير من دول العالم.

في العام 1990، وقبل أن تبدأ الحرب في يوغوسلافيا أعلنت واشنطن أن «الحفاظ على وحدة يوغسلافيا يمكن أن يتم في إطار نظام يحترم حقوق اﻹنسان والانتقال إلى الديمقراطية».

وفي حزيران من العام 1991 زار جيمس بيكر وزير الخارجية اﻷميركي بلغراد، وحذّر كلاً من كرواتيا وسلوفينيا من الانفصال. بعد أربعة أيام على تحذيراته، أعلنت كرواتيا وسلوفينيا الانفصال. 

هناك العديد من التفاصيل في تجربة يوغوسلافيا تستحق الوقوف عندها، نظراً لتقاطعها مع الحدث السوري في جوانب مختلفة، سواء ما يتعلق منها بالمسألة القومية، أو بالذاكرة التاريخية التي استعادت حضورها من منطق الضدّية، وتحميل المسؤوليات لقوميات كاملة، بدلاً من تحميل السلطة التي كانت تدير البلاد مسؤوليتها الحقيقية عما جرى. 

اﻷلبان يطالبون بحكم ذاتي

أولى بوادر الأزمة في يوغوسلافيا، في عقد ما قبل الحرب، تمثّلت في زيادة إلحاح اﻷلبان في مقاطعة كوسوفو الجنوبية على الحكم الذاتي، وقد اقتدى هؤلاء بمطالب بقية القوميات التي ألحّ أبناؤها على نوع من الحكم الذاتي بغاية تصريف شؤونهم الحياتية والدينية والقومية. 

كان أكثر من ثمانين بالمئة من إجمالي سكان كوسوفو من المسلمين ذوي الجذور التركية، قطنوا هناك منذ ما قبل القرن الخامس عشر الميلادي بصفتهم حراساً للحدود بين العثمانيين واﻷوروبيين، إبان الحروب بين أوروبا والدولة العثمانية، وقد تركت تلك الحروب تأثيرها على التشكيلة السكانية. 

حكمت كوسوفو فعلياً في عقد ما قبل الحرب، وبعد رحيل تيتو، النخب الشيوعية الألبانية، التي طالبت بالاستقلال عن صربيا، وبوضع مساوٍ لبقية الجمهوريات الست الأخرى.

اصطدمت تلك الرغبات برفض القوميين الصرب اعتبار كوسوفو مقاطعة مستقلّة، أو الاعتراف بأنّ لها وضعاً خاصاً، فهي «جزءٌ لا يتجزأ، وغير قابل للتصرف من صربيا».

عند مواجهة ظروف عدم الاستقرار وانعدام الأمن المتزايد، يبدأ تخويف بعض الجماعات، أو تغذية مخاوفها المستترة، من أن الجماعات الأخرى تشكل تهديداً وجودياً لها

في ربيع العام 1981، قَمعت الشرطة الفيدرالية، وجيش القيادة القومية الصربية في بلغراد - بعنف - حركة الحكم الذاتي الألبانية، التي تحظى بدعم مجموعات كبيرة من السكان الألبان في المقاطعة. وبحلول العام 1989، تمّ إلغاء الحكم الذاتي لكوسوفو بشكل كامل.

أظهر هذا أنّ القيادة اليوغوسلافية والصربية المهيمنة، كانت تفتقر إلى القدرة والشجاعة والخيال للتعامل مع مطالب الحرية المتزايدة أوائل الثمانينيات بغير طريقة القمع العنيف.

وكرد فعل على هذه الحركة، تنامى النشاط القومي العرقي الصربي بين أقليات الصرب الصغيرة في مقاطعة الجبل الأسود، وفي كوسوفو نفسها، فصوّرت الدعاية الصربية أن الألبان «برابرة وبدائيون، ينجبون أعداداً كبيرة جداً من الأطفال في محاولة للتفوق عددياً على الأعراق الأخرى». كما اتُهموا بـ«الرغبة في قتل فلاحي صربيا والجبل الأسود وأخذ أراضيهم، واغتصاب نسائهم. وهم يتمنون انفصال كوسوفو عن صربيا وتوحيدها مع ألبانيا». 

برغم عدم وجود أسس واقعية متينة لتلك الاتهامات، فقد غذّت مشاعر القلق والتهديد الموجودة عند الصرب المحليين. وغالباً ما كررت آلية الاستقطاب هذه نفسها في العقود التالية في يوغوسلافيا، وفي أماكن أخرى من العالم، ومنها سوريا في بداية عقدها الدامي. فعند مواجهة ظروف عدم الاستقرار وانعدام الأمن المتزايد، يبدأ تخويف بعض الجماعات، أو تغذية مخاوفها المستترة، من أن الجماعات الأخرى تشكل تهديداً وجودياً لها.

هذا الخوف من «اﻹخوة الأعداء» يضيّق على العقول المنفتحة في الجماعات التي تتبادل الاتهامات عبر اﻹشاعات واﻷقاويل، ويتحوّل الخوف بالتالي إلى سردية لا يصعب على مروجيها دعمها بشواهد من التاريخ، بعيده أو قريبه، لتحويل الخوف إلى غضب، وعنف احترازي! 

المذكرة الصربية
العام 1986 أصدر مفكرون وكتاب صرب من الأكاديمية الصربية للفنون والعلوم «المذكرة الصربية / Serbian Memorandum»، التي عُرفت باسمها المختصر SANU. 

قدّمت المذكرة وجهة نظر عرقية قومية راديكالية لواقع الصرب في يوغوسلافيا. وبحسب الوثيقة، فإن الصرب كانوا يعاملون تحت حكم تيتو بتمييز، وفوقية. 

أسهم تأجيج النزاعات الهوياتية في أخذ مجريات الحدث اليوغوسلافي نحو حرب أهلية دامية، أدت في نهاية المطاف إلى تقسيم يوغوسلافيا، مثلما حدث في كثير من دول العالم

من الخلاصات التي وردت في الوثيقة أن «صربيا ضحية السلوفينية الحالية، والتمييز السياسي والاقتصادي الكرواتي داخل الاتحاد. وكان الصرب خارج مقاطعة صربيا، خاصة في كرواتيا وكوسوفو، من الفقراء جدّاً، وهؤلاء، بشكل استثنائي كانوا معرّضين لخطر مباشر من قبل جيرانهم وتحت تهديد الإبادة الجماعية المحتملة جداً».

ووفقاً للمذكرة، فإن المثل الأعلى لصربيا الكبرى المستقلة «لا يزال موجوداً أكثر من أي وقت مضى».

اعتبرت المذكّرة أن «الوسيلة الوحيدة لتأمين بقاء وتطور الصرب، تحقيق الوحدة الإقليمية للشعب الصربي عبر توحيد جميع الصرب في دولة وطنية صربية واحدة، بغض النظر عن الجمهورية أو المقاطعة التي يسكنونها، فالشعب الصربي هو شعب تاريخي له الحق الديمقراطي في بناء دولته والحياة فيها بكرامة». 
كانت الوثيقة هجوماً مباشراً على أسس الدولة اليوغوسلافية الاتحادية.

الاستثمار السياسي

أدرك زعيم الحزب الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش أهمية المذكّرة، وخطورتها، ومدى تأثيرها على قطاع واسع من الجمهور الصربي، وأنّ اعتمادها على استنكار الهيمنة النابعة من اﻷيديولوجيا، جاء في وقته تماماً مع انحسار التأييد للأيديولوجيا الشيوعية في البلاد، لذلك جعلها برنامج عمله الخاص.
تمكّن ميلوسوفيتش بعد ذلك من إسقاط القادة الشيوعيين الآخرين في صربيا، وتقوية قاعدة سلطته، وقاعدة مساعديه وحلفائه بدعم أميركي وأوروبي، وبدء عملية إعادة التوجيه العرقية القومية، والعمل على تحقيق الوحدة المركزية لصربيا. وتضمنت تكتيكاته استخدام المكائد السياسية داخل الحزب، عبر إسقاط التيارات المناوئة له وﻷفكاره، وعمليات التطهير، واستخدام حملات الصحافة، والتلفزة، والمظاهرات الجماهيرية التي تدار على مراحل، عبر نقل «الجماهير الصربية المتعصّبة» في حافلات عبر صربيا، ووضعها قيد الجهوزية في الجمهوريات الأخرى استعداداً للتظاهر الفوري. 

نذكّر هنا، أن هذه التقنيات هي جزء من ممارسة أوسع وسَمَت «الربيع البرتقالي» لاحقاً في أوروبا الشرقية، وبعض من هذه التقنيات تم استخدامه أيضاً في «الربيع العربي».

 يتبع


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها