× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

القطاع الصحي السوري: قصة موت (غير) مُعلن

حكاياتنا - خبز 22-09-2021

يشهد القطاع الصحي في سوريا تردياً هائلاً في مختلف الاتجاهات وكل الجغرافيات. جذور هذا التردي تعود إلى ما قبل الحرب والخلل الهائل في خريطة تقديم الخدمات الصحية العامة بين المركز والأطراف، قبل أن توصل الحرب الأمور إلى شفير الانهيار

الصورة: (الهلال الأحمر - فرع ريف دمشق / فايسبوك)

يضطر أبو أسعد إلى السفر مسافة تزيد عن 35 كيلومتراً ثلاث مرات في الأسبوع للوصول إلى مركز غسيل الكلى في حلب، حيث ينتظر دوره ساعات طويلة.

تردّت الحالة الصحية للرجل بعد التأخر الكبير والمتكرر في جلسات الغسيل، فضلاً عن ارتفاع تكلفتها بشكل مبالغ فيه بعد أن كانت مجانية.

يعيش أبو أسعد في قرية قريبة من مدينة السفيرة (جنوب شرق حلب)، ويقول: «منذ نحو أربعة أشهر توقف مستشفى حلب الجامعي عن تقديم الرعاية، وأُحِلنا إلى مستشفى ابن رشد وهو مزدحم أصلاً، ويعاني نقصاً في المواد الطبية، ما فرض علينا تكاليف باهظة تتراوح بين 30 و60 ألف ليرة في كل جلسة، وهذا أمر لا يمكنني تحمله».

وتضاربت التبريرات حول سبب هذه الأزمة، خصوصاً أن عمليات غسيل الكلى عادةً من الخدمات التي تقدمها وزارة الصحة بشكل مجاني للمرضى.

ردّت بعض المصادر أسباب هذا التغير إلى قرار إداري حصر عمليات شراء المواد بوزارة الصحة، وعلل البعض الأمر بـ«نقص التمويل اللازم لعمليات شراء المواد، بالإضافة إلى تعطل أجهزة غسيل الكلى في عدد كبير من المستشفيات بسبب استعمالها بشكل جائر وعدم صيانتها أو تحديثها».

لا تعتبر معاناة أبو أسعد نادرة أو محصورة في منطقة واحدة من سوريا، إذ يعاني معظم مرضى الفشل الكلوي وبقية الأمراض المزمنة الصعوبات ذاتها، من السويداء التي شهدت قبل فترة اعتصاماً للمصابين بالفشل الكلوي أمام المستشفى الوطني، إلى دمشق التي شهدت نقصاً في تمويل بعض المنظمات والجمعيات التي تقدم الرعاية لبعض المرضى، إلى حماة، والحسكة، ومناطق الشمال الخاضعة لسيطرة فصائل مُعارضة.

مقابل الحال الكارثي للقطاع الصحي في المناطق الخاضعة لسيطرة دمشق، تبرز أوضاع أشدّ مأسوية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، خاصة في ظل تعرض مستشفيات ومراكز صحية للقصف وللدمار

ومن المعلوم أن مرض الفشل الكلوي أحد الأمراض المزمنة التي تحتاج علاجاً ومتابعةً باستمرار، في ظل عدم توافر إمكانيات تسمح بإجراء عمليات زرع كلى، ما يجعل هذا المرض مثالاً يمكن الأخذ به لفهم الواقع الصحي عموماً في البلاد، وبشكل خاص الأمراض المزمنة التي قد يؤدي إهمالها إلى الموت.

الحرب و ما قبلها

شهدت مرحلة ما قبل الحرب تزايداً في عدد المراكز الصحية، لكن هذا النمو لم يكن منظماً ومبنياً على أسس علمية واضحة، وفق دراسة أعدها مركز «مداد» ونشرها العام الماضي. عانى القطاع الصحي من انعدام النمو المتوازن على مستوى سوريا عموماً، فتركز وجود المراكز الصحية في المدن الحضرية، وغابت عن المناطق النائية والريفية، ما يعني اضطرار كثير من المرضى إلى السفر مسافات طويلة لتلقي العلاج، سواء إلى العاصمة، أو إلى المدن الكبيرة، مع ما يسببه ذلك من أعباء مالية مضاعفة.

يُضاف إلى ذلك تنامي القطاع الخاص، وتراجع القطاع العام إلى درجة فاق فيها الإنفاق الشخصي على الصحة الإنفاق العام (نسبة الإنفاق الشخصي بلغت 53% والعام 47%) وفق أرقام المسح الصحي المتعدد الأغراض الذي نفذه في العام 2006 المكتب المركزي للإحصاء، بالتعاون مع يونيسف، والمشروع العربي لصحة الأسرة التابع لجامعة الدول العربية.

أما في العام 2000 فكانت سوريا قد حلّت في المرتبة 142 من أصل 191 دولة، وفق مؤشر «عدالة الإسهام المالي» الذي تُصدره منظمة الصحة العالمية، ويدرس ما يدفعه المواطنون من المال الخاص مقابل الحصول على الرعاية الصحية، بغض النظر عن دخلهم حتى لو فاق ما يدفعونه قدرتهم.

مع اندلاع الحرب وتوسعها، طالت الأضرار بشكل مباشر القطاع الصحي الذي خسر وفق الدراسة الآنفة الذكر حوالى ثلث المستشفيات الحكومية، سواء التي تضررت بشكل جزئي أو كامل، وقدرت تكاليف الأضرار التي طالت هذا القطاع حتى العام 2017 بنحو 759 مليار ليرة سورية (كان الدولار حينها يعادل نحو 500 ليرة سوريا ما يجعل القيمة تقارب 1.518 مليار دولار).

لحق الدمار عدداً من المستشفيات الاختصاصية التي تقدم الرعاية لأمراض مزمنة ومستعصية، مثل مستشفيي العيون، والكندي في حلب، كان الأخير يقدم الرعاية لمرضى السرطان، وأدى خروجه من الخدمة قبل أن تفجره فصائل مُعارضة إلى مضاعفة متاعب وتكاليف علاج مرضى السرطان، مع توجب السفر إلى دمشق لتلقي العلاج، أو انتظار الدور لتلقي الجرعات في مراكز مؤقتة مثل مستشفى حلب الجامعي.

كذلك، عانى القطاع الصحي من نزوح وهجرة الكوادر البشرية من أطباء وطبيبات، وممرضين وممرضات، وعلى سبيل المثال انخفض عدد الأطباء في دير الزور إلى 13 فقط، قبل أن يُندب أطباء من دمشق في محاولة لتلافي هذا النقص.

عانى القطاع الصحي انعدام النمو المتوازن، فتركزت المراكز الصحية في المدن الحضرية، وغابت عن المناطق النائية والريفية، ما يعني اضطرار كثير من المرضى إلى السفر مسافات طويلة لتلقي العلاج

تُظهر مؤشرات لقطاع الصحة في سوريا بين العامين 2011 و2019، سبق نشرها في صوت سوري تراجعاً كبيراً لأداء هذا القطاع، إذ لا يتجاوز نصيب الفرد من الإنفاق الحكومي 20 دولاراً سنوياً، كما تظهر المؤشرات أن مقابل كل 1000 شخص هناك 2.5 كادراً طبياً وتمريضياً وصيدلياً ومخبرياً، ونسبة الأطباء بالتالي أقل بكثير.

في المناطق التي لم تطلها الحرب بكل مباشر، لم يسلم القطاع الصحي من النقص الحاد في الأدوية، ومن توقف بعض الأقسام الهامة، كما هو الحال في السويداء التي تضم ثلاثة مستشفيات حكومية تعاني من الضغط الشديد والنقص في عدد العاملين والانقطاعات المتكررة في الأدوية والمعدات الطبية.

كذلك، زاد وباء كورونا من الضغط على القطاع الصحي، خصوصاً بعد تحديد مستشفيات وتفريغها من جميع المرضى والأقسام وتخصيصها لاستقبال حالات كورونا، الأمر الذي ألحق أضراراً كبيرة بمرضى يعانون أمراضاً خطيرة ومزمنة وجدوا أنفسهم خارج منظومة الرعاية ينتظرون المجهول.

مساعدات خارجية.. وابتهال!

مقابل الحال الكارثي للقطاع الصحي في المناطق الخاضعة لسيطرة دمشق، تبرز أوضاع أشدّ مأسوية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، خاصة في ظل تعرض مستشفيات ومراكز صحية للقصف وللدمار.

وفي لقاء تلفزيوني بُث في نيسان الماضي قال رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر بيتر ماورير إنّ «نحو 80% من الشعب السوري أصبحوا بعد 10 سنوات من الحرب في بلادهم يعتمدون على المساعدات»، واصفاً الوضع بأنه «مأسوي على مختلف الصعد».

وتلعب إسهامات منظمة الصليب الأحمر، بالإضافة إلى منظمات أخرى مثل أطباء بلا حدود، ومنظمة الصحة العالمية، ومساعدات المغتربين والمقتدرين دوراً في تقديم المساعدة الصحية للسوريين الذين يحتاجون إلى رعاية، لكن هذه المساعدات لا تكفي لردم الهوة الصحية الكبيرة، خصوصاً بالنسبة لضحايا الأمراض التي تحتاج رعاية عاجلة أو مساعدة مستمرة مثل مرضى الفشل الكلوي والثلاسيميا.

وأمام الأزمات المتتالية التي أصابت القطاع الصحي، والانقطاعات المستمرة في الأدوية والأجهزة، لا تبدو أمام أبو أسعد أي فرصة لإجراء عمليات غسل الكلى بشكل مستمر بالاعتماد على المراكز الحكومية، ما يضعه بين خيارين: إما دفع مبالغ باهظة لا طاقة له بها، أو الأخذ بنصيحة مسؤولي المحافظة والسعي وراء الجمعيات الخيرية، والدعاء أملاً بتسجيل اسمه والحصول على مساعدات دورية قد تنقذه!


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها