× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

التهريب نحو تركيا مستمر: «الموت البولندي» لا يقتل «الحلم الأوروبي»؟

حكاياتنا - خبز 18-11-2021

لا يزال سوريون كثر يحاولون عبور الحدود نحو تركيا. يتدبر البعض أموره ويحصل بطريقة ما على بطاقة تاجر تكلفه 2500 دولار، وتخوله الدخول والخروج بشكل نظامي ومتكرر. ويفتش البعض عن وسائل أرخص لأنه لن يحتاج عبور الحدود بشكل متكرر، وهو ما ينطبق طبعاً على من يذهب قصد إيجاد طريق نحو أوروبا، «الحلم» الذي لم ينل منه ما يحدث على حدود بولندا

الصورة: (الحدود البولندية 16 تشرين الثاني / TRT World Now - تويتر)

في منزل صغير في قرية التلول على الحدود السورية التركية، يجلس أبو وحيد (٤٥ عاماً) وابنته ذات الخمسة عشرة عاماً مع مجوعة مكونة من ثلاثين شخصاً، ينتظرون حلول الظلام لنقلهم تهريباً إلى الأراضي التركية، بعضهم بغرض العمل هناك، والبعض بغرض البحث عن طريق نحو أوروبا. 

على امتداد ساعات الانتظار تُسمع أصوات الضفادع التي تعيش في مستنقع يجاور بركةً لتربية الأسماك قريبة من المنزل.

من بين أفراد المجموعة مهند وأخوه ليث. هذه هي المرة الثالثة التي يحاول فيها الشابان التسلل بعد محاولتين فاشلتين سابقتين، قطعا في إحداهما نهر العاصي، وزحفا مسافة تزيد عن 500 متر في بساتين داخل الأراضي التركية، قبل أن يكتشف حرس الحدود محاولة التسلل، ويعود الشابان مع أشخاص آخرين يائسين بملابس يغمرها الوحل والمياه الآسنة. 

الذين استطاعوا العودة أكثر حظّاً من آخرين من أفراد المجموعة ذاتها، أمسكهم عناصر الجندرمة التركية، وأوسعوهم ضرباً، ثم أوقفوهم في أحد المخافر حتى صباح اليوم التالي، ليُرحلوا إلى الشمال السوري عبر معبر باب الهوى.

كان محمود الحسن (36 عاماً) ينوي الذهاب الى أوروبا في نهاية المطاف، لكن لسوء حظه تعثر على جانب الطريق داخل الأراضي التركية وتأخر عن بعض رفاقه لمدة لا تتجاوز دقائق معدودة، كانت كفيلة بتغيير مستقبله، واضطر إلى العودة إلى سوريا، والكف عن التفكير نهائياً بعبور الحدود التركية بطريقة غير شرعية، بسبب الضرب المُبرح الذي تلقاه من عناصر نقطة المراقبة التركية بعد أن قبضوا عليه نتيجة تعثره ذلك.

«التالتة ثابتة»

هذه المرة صدق المثل القائل «التالتة ثابتة»، ونجح مهند وليث في العبور، شأنهما شأن أبو وحيد، وابنته، وبقية أفراد المجموعة، ووفقاً للاتفاق دُفعت أجور التهريب بعد وصول المجموعة إلى إسطنبول.

يقول مهند الحسن (24 عاماً): «700 دولار كلفة عبور الشخص الواحد، لا يدفعها حتى يصل مدينة إسطنبول»، لكن هذه التعرفة ليست «ثابتة»، بل قد تختلف من شخص إلى آخر، بحسب الاتفاق الذي أبرمه منفرداً مع المهربين. 

يشرح الشاب: «الجميع ملزم بقطع إيصال عن طريق "هيئة تحرير الشام" قيمته 50 دولاراً قابلة للاسترداد في حال فشل الدخول، ولا بد من وجود ثغرات يستفيد منها المهرب. تختلف الأجور بحسب الأشخاص والعائلات والمهربين والطريقة، هناك من يتفق مع المهرب على دفع مبلغ 2200 دولاراً على أساس أنه سيقطع الحدود بموجب "إذن ضابط تركي"، وهناك من يدفع 1200 دولار لعبور الحدود بواسطة نفق محفور تحت الجدار الفاصل، أما التهريب زحفاً وركضاً وسباحةً فيكلف 700 دولار». 

ويضيف: «شعرت بالأمان فور وصولي إسطنبول، وبعد الاستحمام وتغيير الملابس جلست أخيراً مع صديقي القديم محمود الذي يعمل في معمل أخشاب خام. لم نتحدث عن عدد ساعات العمل أو متاعبه ولا حتى محاسنه، كنا فقط نسترجع أيام الطفولة والدراسة في قريتنا، وحدثته عن مشقة الطريق، ومحاولات عبور الحدود الفاشلة، ثم سرقني النوم في منتصف الحديث بسبب الإرهاق الشديد».

للذهاب تهريباً نحو تركيا يتوجب الحصول على قسيمة بقيمة 50 دولاراً من «تحرير الشام»، قابلة للاسترداد في حال فشل الدخول. تختلف «أتعاب المهرب» بحسب الأشخاص والطرق: 2200 دولار لقطع الحدود بموجب «إذن ضابط تركي»، و1200 دولار لعبور نفق محفور تحت الجدار الفاصل، أما التهريب زحفاً وركضاً وسباحةً فيكلف 700 دولار

ولا يزال سوريون كثر يحاولون عبور الحدود نحو تركيا، وخاصة الشباب من الشريحة العمرية بين 18 و30 عاماً. يتدبر البعض أموره، ويحصل بطريقة ما على بطاقة تاجر، تكلفه 2500 دولار، وتخوله الدخول والخروج بشكل نظامي، أما من يذهب بغية العمل في المزارع أو المعامل، فيفتش عن وسائل أرخص لأنه لن يحتاج عبور الحدود بشكل متكرر، وهو ما ينطبق طبعاً على من يذهب قصد إيجاد طريق نحو أوروبا.

المهرب عبدو (29 عاماً) يقول: «نواجه الكثير من المشكلات مع الأشخاص الذين يدخلون تركيا عن طريق مكتبنا، منها التأخر في سداد المبلغ المتفق عليه، أو عدم دفع كامل المبلغ، كما نخضع لاستجوابات من "هيئة تحرير الشام" بين وقت وآخر بسبب تجاوزات بسيطة، ولتحقيقات وتشديدات تتعلق بشكوك حول الإتجار بالحشيش والحبوب المخدرة. لكن في المقابل هناك منافع مادية جيّدة من هذا العمل، خاصة إذا كان المهرب يملك بستاناً في محاذاة الجدار أو النهر الفاصل بين سوريا وتركيا».

عين على بولندا.. وأخرى على اليونان  

في الشمال البعيد، أبعد بكثير من الحدود التركية لا تزال الحدود البولندية مغلقة أمام سوريين وسوريات وحملة جنسيات أخرى. ينحدر هؤلاء من خلفيات مختلفة حتماً، لكن الأمل بإيجاد حياة جديدة شكل قاسماً مشتركاً بين الجميع، قبل أن يتحول هذا الأمل إلى فخّ يبدو حتى الآن ألا سبيل للخروج منه.

قبل ثلاثة أعوام قرر أحمد سعيد السلوم (29 عاماً) الهجرة إلى أوروبا، لكن في كل مرة يهم بالتنفيذ تعترضه عقبةٌ ما، من حادث سير، إلى مرض مفاجئ، إلى عجز عن توفير المبلغ المطلوب. 

أخيراً، وصل الشاب إلى قرار خلاصته البقاء في الشمال السوري حيث هو، «خليني موت هون أحسن» يقول.

ويضيف: «الكثير من سكان الشمال السوري يهاجرون الى أوربا بغرض تحسين أوضاعهم ومساعدة ذويهم. في كل مرة يضيق بي الحال أفكر في الذهاب لبناء مستقبل أفضل، لكن كلفة الوصول إلى أي دولة أوروبية باتت تزيد عن 10000 دولار. هذا مبلغ ليس من السهل تأمينه، وحتى في حال تأمينه ينبغي عليّ العمل سنتين وأكثر لتسديده».

أما السبب الأساسي لإلغاء الشاب فكرة الهجرة، فيعود إلى أحوال طالبي وطالبات اللجوء على حدود بولندا، بعد أن شاهد تقارير ومقاطع فيديو على صفحات التواصل الاجتماعي، وما يعنيه ذلك من أنّ العبور ليس مضمومناً في حال من الأحوال، والمال الذي سيُدفع سيكون خسارة لا مجال لتعويضها، وربما «تذكرة نحو الموت».

يقول أحمد: «المنظمات الإنسانية، وجمعيات حقوق الإنسان تشاهد هذه المسرحية ولا تُحرك ساكناً، هل الحقوق تنطبق على بشر دون بشر، وعلى عرق دون آخر؟ والدول التي ينتمي اليها هؤلاء اللاجئون (واللاجئات) كأن الأمر لا يعنيها».

واجه بلال البيوش (30 عاماً) صعوبات هائلة أثناء محاولاته المتكررة دخول تركيا تهريباً، لكن الإصرار على الذهاب الى أوروبا لبناء مستقبل أفضل كان دائماُ يعطيه دفعة للأمام.

على الأشواك من الساعة الثالثة حتى السابعة صباحاً. اختبأنا في قرية صغيرة حتى غروب الشمس، لتأتي سيارة ونقلنا إلى مدينة أضنة، وبعدها إلى إسطنبول، لنأخذ قسطاً من الراحة قبل محاولات الذهاب الى أوروبا».

خاض الشاب أكثر من عشرين محاولة للذهاب إلى اليونان، بعضها براً، وبعضها وبحراً، وجميعها باء بالفشل. 

آخر محاولة له كانت قبل أسبوع فقط، وعبر البحر. على بعد 5 كيلومترات تقريباً من جزيرة رودوس اعترضته ومجموعته قوارب تابعة لخفر السواحل اليوناني، وسُلّم الجميع إلى خفر السواحل التركية.

يقول بلال: «بقيت أربعة أيام موقوفاً. أنا على علم بما يحصل على الحدود البيلاروسية البولندية، لكن ذلك لم يؤثر على قراراتي. لن أمل من محاولة العبور نحو اليونان لتحقيق هدفي بالوصول الى أوروبا».


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها