× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

مذبحة 1860 في دمشق: فظائع سوّدت وجه التاريخ

عقل بارد - أوراقنا 18-07-2022

تغرق سلسلة «الطائفية في سوريا» بعد جزئيها السابقين في بحر من الدماء المذهبية. في المقال الثالث نستعرض وقائع المذبحة الكبرى التي استهدفت المسيحيين في دمشق بعدما امتدت إليها من جبل لبنان. ونستند في هذا المقال إلى شهادة كتبها مؤرخ مسيحي دمشقي، محفوظة في مكتبة جامعة هارفارد الأميركية

الصورة: (حارة الدوامنة في ثلاثينيات القرن الماضي، سكنها الناجون من مذابح دمشق 1860، إذ فروا إلى حرستا وعربين ودوما، ثم عادوا اليها بعد انتهاء الطوشة. المصدر: عماد الأرمشي / فايسبوك

في العام 1860 شهدت دمشق أحداثاً دمويةً مُفجعة عُرفت باسم «طوشة 1860»، وهي مذبحة استهدفت مسيحيين، وجاءت امتداداً لأحداث مشابهة شهدها لبنان (يوم لم تكن هناك دولة اسمها سوريا، ولا أخرى اسمها لبنان، بل كانتا تخضعان للحكم العثماني). 

يتناول مخطوط نادر بعنوان «تنهدات سوريا» تلك الأحداث، وهو مخطوط من محفوظات مكتبة جامعة هارفارد الأميركية، يقع في ثمانين صفحة مكتوبة بخط الرقعة، غير مؤرخ، ولا يحمل اسم المؤلف، وإن كان مرجّحاً أنه جبرائيل بن ميخائيل بن جرجس شحادة الصباغ، وهو مؤرِّخ دمشق مسيحي.

يصف المخطوط «الطوشة» بأنها «مذابح لم يُعهد أنّ وجه التاريخ "تسوّد" بثورة دموية افترائية جمعت القساوة والشر»، مثلها (ص. 3)، فقد «ظهر من الظلم والافتراء ما يستنجد مروءة من له أدنى دثرة من العدل، فقد ظهر من كلام السفه والأفعال الفظيعة ما يستحي القلم بذكره، وقد ظهر من هتك حرمة النساء والبنات ما يغيظ الحجر الأصم» (ص. 4).

بين الحكومة والانكشارية

يلمح الكاتب في الصفحات التالية إلى اتفاق الإذعان الذي سمي «العهدة» وأبرم في «الأعصر المظلمة» أي ما قبل دخول إبراهيم باشا بن محمد علي حاكم مصر إلى دمشق سنة 1832. في ذلك الوقت، «كان النصراني يقاسي من الدولة، أي الحكومة العثمانية، أنواع الأحكام القضائية»، وكانت تلك الأحكام «مخيفة جداً ومطلقة التصرف، فقد كانت الحكومة تجعل قصاص المذنب ما تستحسنه، وكان ذنب النصراني يستدعي أرهب قصاص إن لم يبادر إلى تبريد غيظ الحاكم بالرشوة» (ص. 10).

كذلك؛ «كان كل من الحكومة والرعية والانكشارية يسطون على أموال النصارى»، فالأولى كانت تستحوذ على الأموال بحجة الاقتراض وخلافه، حتى «كانت النصارى تمر في الأسواق وتهان وتحبس إلى أن تدفع المطلوب». أما الانكشارية، «فكانوا كثيراً ما يهجمون على البيوت أملاً (في أن يجدوا) عرقاً يحرقونه» (ص. 10). و«كان المسيحيون يخوفون أولادهم من الخروج ليلاً» خوفاً من الخطف الذي كان يستهدفهم على وجه الخصوص، وفق المخطوط نفسه.

يُحمل المؤرخ الدولة العثمانية المسؤولية الكبرى عن مذابح 1860 التي بدأت في جبل لبنان وامتدت إلى دمشق، لأن «المسلمين لو تركوا لذواتهم ما ثاروا»

الاعتداءات كانت تطاول النساء المسيحيات أيضاً، «فلم يكن للنصراني حيلة للمدافعة إلا بالالتجاء إلى مسلم آخر» (ص. 12). وقد «كانت النصارى مذلولة في كل تصرفاتها، فكان يندر أن يمر نصراني من حارة الإسلام دون أن تتجند له الأولاد ويتبعونه ويقولون له: نصراني نصراني كافر عواني» (ص. 14).

بموجب «شروط العهدة»، مُنع المسيحيون من  إظهار الشعائر الدينية ومن ترميم مدارسهم وكنائسهم، كما «أجبروا على ارتداء أزياء مخالفة لملابس المسلمين لوناً وتفصيلاً» (ص. 21)، فضلاً عن أن «النصراني كان يلتزم دائماً أن يمشي على شمال المسلم، وكان المسلم عند مقابلة النصراني يقول له اشتمل. كان النصراني محسوباً عندهم كافراً» (ص. 27).

انتهت هذه المرحلة القاتمة بدخول إبراهيم باشا إلى المدينة، وهنا يسجل المؤرخ أن «مسيحيي المدينة باتوا يُعدون من بني آدم ونظير المسلمين في الحقوق والإنسانية» (ص. 27)، ولعل في هذا التحول دليل دامغٌ على أن ما كان يُقابل به مسيحيو دمشق من تعامل بالغ السوء لم يكن بالضرورة سلوكاً جمعياً عفوياً، بل مُمنهجاً وموجّهاً من قبل السلطة العثمانية.

عود على بدء

مع اندلاع الحرب الروسية-العثمانبة المعروفة بحرب القرم (1853-1856)، عادت المضايقات فانعكست  القوانين التي أصدرها السلطان العثماني محمود الثاني سنة 1839 وعُرفت بـ«التنظيمات»، على حياة المسيحيين،  بعدما كانت قد عملت على  المساواة بين مواطني السلطنة في الحقوق والواجبات بصرف النظر عن دينهم أو عرقهم أو قوميتهم، «ثم إن الإسلام هاجت ضد النصارى بمجرد سماعهم بحرب الدولة الروسية فكانت النصارى في خوف عظيم وضيق جسيم» (ص. 34).

كما أن «الدولة والإسلام بعد حرب روسيا في القرم ازداد بغضهم للنصارى، فرجعت كلمة كافر وتناقص استعمال الألقاب المشيرة إلى المساواة وقل اعتبار النصراني» (ص. 38).

وإضافة إلى حرب القرم، يرجع المؤرخ أسباب تنامي الكراهية الطائفية في دمشق، وتزايد مشاعر الضغينة إلى «ما خلفه صدور قانون التنظيمات الذي منح المسيحيين امتيازات من قبيل بناء المدارس والأديرة، والانتعاش الاقتصادي إثر تنامي العلاقات بين المسيحيين والأوروبيين». كذلك يُحمل المؤرخ الدولة العثمانية «المسؤولية الكبرى عن مذابح 1860 التي بدأت في جبل لبنان وامتدت إلى دمشق»، لأن «المسلمين لو تركوا لذواتهم ما ثاروا» (ص. 54).

يقدم المؤرخ أدلة على كلامه مفادها وجود «ما يكفي من السلام بين الطرفين لمن يرغب السلام. وكان كلا الفريقين متداخلين في المعاملات، في البيع والشراكة والصنائع» (ص. 55). لكن ذلك الصحو انقلب، «وذلك الهدوء استحال اضطراباً، بمجرد ظهور الحركات في جبل لبنان» (ص. 56).


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها