× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

نون شين كاف ريه!

حكاياتنا - حشيش 18-02-2021

ليست سيرة أحلامي فريدة: شابة دخلت الحياة بـأحلام كبيرة، ثم شيئاً فشيئاً: «كل شيء ضاق، ضاق حتى ضاع». حكاية سورية تقليدية، أظن أنها تكررت ملايين المرات

الرسم: (Siham Zebiri - كارتون موفمينت)

كنت قد اتفقت مع مسؤولة التحرير أن تخبرني بكل ملف جديد يتم العمل عليه في الموقع. وهكذا رحت أحلم بأنني سأكتب مقالات أكثر، وسيذكر اسمي المستعار بشكل متكرر فيصبح أكثر شهرة، وستعوض الملفات أي كسل محتمل لشيطان الكتابة الذي بات أقل نشاطاً بكثير، مثل موظفة ضجرانة.

لم تُكذب الزميلة خبراً، وأعلمتني عن ملف يتم إعداده، فقدمت مساهمتي البسيطة فيه. 

بعدها بأسبوعين، اكتشفت أن الملفات.. أقصد المياه كانت تمشي من تحت قدمي، ونشرت الزميلات ملفاً عن «أحلام السوريين».

ولأنني كنت من الحالمات منذ زمن طويل، وأحب الأحلام، فقد قررت أن أدلي بدلوي في هذا الأمر، حتى ولو أن  آخر أحلامي الذي تحدثت عنه منذ قليل، قد تبخّر، منضماً إلى باقي رفقائه الأقدمين. (لا أقصد هنا الاعتراض لا سمح الله، إنه نوع من الدعابة يا زميلتي المحررة، والله على كلامي شهيد).

خلقت في بيئة متوسطة الحال، من الطبقة الكادحة...

تباً! لماذا أبدأ هكذا كما فعلت عندما ملأت استمارة الانتساب إلى الحزب القائد؟ وقتها وزعت الاستمارات علينا جميعاً في الصف الأول الثانوي، وكان لنا مطلق الحرية فكتبنا جميعاً نبذة موحّدة عن حياتاتنا (شو رأيك بهذا الجمع يا زميلة؟) يا للمصادفة العجيبة! لقد عشنا جميعاً الحياة نفسها. 

ما زلت أذكر ما قاله مدير المدرسة وقتذاك عن هذا البند، عندما كان يشرح لنا كيف نملأ الاستمارة بمنتهى الحرية: «هون بتكتبو: خلقت في بيئة حقيرة فقيرة». 

(في الحقيقة كان يتمتع بحس فكاهي عال، وصار يعتبرنا من الكبار بعد المرحلة الإعدادية، ويتبادل معنا  النكات).

بالعودة إلى الأحلام، وبعد أن اكتشفت ميولي السياسية وانتسبت إلى الحزب المناسب بمحض إرادتي، جاءت امتحانات الثانوية العامة. 
حسنا الآن سيتحقق حلمي المهني بدراسة الطب. (لا أدري لماذا أقول إنه كان حلمي، ربما لأننا تعودنا أننا: «سنصبح أطباء كي نعالج الفقراء مجاناً»، حسب الجواب الببغائي الأشهر). 

لسوء حظي تزامن موعد «بكالوريتي» مع نهائيات كأس العالم، ما أدى بي إلى دراسة إحدى الهندسات، بعدما كنت أضيع من الوقت الكثير لحضور المباريات. 

انتهت السنوات الخمس العجاف في دراسة اختصاص لا أحبه، بعد أن بذلت أقصى جهد لأتخلص من دراسته في أسرع وقت. 

والآن حان وقت العمل وستبدأ الأحلام بالتحقق، سأحصل على وظيفة محترمة من دون واسطة، عكس كل إخوتي الذين انتظروا سنوات، وطلبوا مساعدات من هنا وهناك. 

سأكون الأولى في العائلة التي لن تشكل قصة حصولها على وظيفة، الحديث الأهم طيلة سنوات.

ها قد تحقق حلم الوظيفة، وسأنتقم من حياة الفقر والتعتير. سأشتري بدل الدراجة اثنتين، وبدل البنطال الواحد الذي كنت أرتديه حتى يلفظ خيوطه الأخيرة سأرتدي أفضل الماركات وأكثرها شهرة، سأقتني أحذية كثيرة محشوة بالفرو ولا تُسرب المياه، ثم بعد ذلك سأشتري منزلاً وسيارة، وسأسافر في رحلات سياحية. (في البداية كان عليّ شراء هاتف خلوي بدلاً من أن أقف كالبلهاء أمام رئيس الدائرة الذي يريد رقم هاتفي كي يملأ استمارتي، وأقول له: ما معي موبايل). 

ما زلت أذكر دهشتي الغبية عندما سألني المدير في أول يوم عمل، ذلك السؤال السحري: «مين واسطتك»؟ 

لم يسألني عن المهارات أو الخبرات، كان واضحاً وصادقاً: «نادراً ما تُعطى وظيفة في هذا المكان من دون واسطة» أتبع سؤاله بهذا التفسير، لأردّ ما اعتبرته تهمة بحقي، وأصرّ على أن معدلي الجيد هو واسطتي. (كم كنت غبية، فقد علم المدير ألا واسطة تقيلة تدعمني، ومنحني قدراً عالياً من التهميش العملي). 

ها هي الأحلام الوردية تذوي سريعاً، وتنقشع تلك الغشاوة الجميلة أمام عيني، فيبدأ روتين العمل القاتل، وسط بيئة لا تحفز سوى على الهرب من الدوام.  

ليست سيرة أحلامي فريدة، صح؟ شابة دخلت الحياة بـأحلام كبيرة، ثم شيئاً فشيئاً: «كل شيء ضاق، ضاق حتى ضاع». حكاية سورية تقليدية، أظن أنها تكررت ملايين المرات.

لكن، رغم كل شيء، ولأن الحظ حليفنا - نحن السوريات والسوريين - فقد أنعمت علينا الأوطان والأزمان بمن يحلم عنّا! 

كل يوم يخرج مسؤول من هذا المحور أو ذاك ليقول لنا كيف يجب أن نعيش، وما هي خريطة أحلامنا، وكيف يجب أن يكون دستورنا، وما هو شكل الدولة التي ينبغي علينا العيش في كنفها، وأين يجب أن يذهب نفطنا، وكيف تدار مؤسساتنا... إلخ.

لا مزيد من الأحلام إذاً، إنهم يحلمون بالنيابة عنّا، ويبذلون قصارى جهدهم في سبيل تحقيق ما يحلمون به من أجلنا، وما علينا سوى الانتظار ريثما تتقاطع أحلامهم في مسار ما.

وحتى ذلك الحين باتت أقصى أحلامنا ساعة زائدة من الكهرباء تسمح لنا بشحن بطارية الجوال، لعلنا نستقبل رسالة تزف خبر وصول جرة الغاز، ونتمكن من تناول كأس من الشاي حتى لو كان فاسداً، بينما «نقف على ناصية الحلم ونقاتل». هاهاهاهاااااا نون شين كاف ريه.. نشكر نشكر نشكر هيييه

تصفيق!


Share!

لا يتبنى «صوت سوري» أي توجه مسيس للملف السوري ولا تقف وراءه أي جهة سياسية.
نحن نراهن على دعمك لنا في الوصول إلى جميع السوريين والسوريات.

إذا رأيت أن خطابنا يستحق الوصول انشري / انشر هذا المقال من فضلك

لديك تصويب أو ملاحظة؟ تفضل/ي بالتعرف إلى محررة القراء والتواصل معها