× الرئيسية
ملفاتنا
المستشارة
النشرة البريدية
تَواصُل
من نحن
اختر محافظة لتصفح المقالات حلب
الرقة
الحسكة
دير الزور
اللاذقية
طرطوس
إدلب
حماة
حمص
دمشق
القنيطرة
درعا
السويداء
ريف دمشق

العشوائيات على إيقاع الحرب: من أين جاءت كل هذه «الجدران»؟

حكاياتنا - خبز 16-05-2022

يبدو سكن العشوائيات «فرصة ثمينة»، بسبب رخص الإيجارات مقارنة بـ«خيارات» أخرى، لكن على وقع الأحداث التي عصفت بالبلاد بات سكان العشوائيات أميلَ إلى العزلة، وقامت حواجز من الشكوك، وخوف الآخر، مع قدوم السكان من مناطق مختلفة، وانتمائهم إلى فئات متنوعة

الصورة: (Hasan Blal - فليكر)

تسببت العمليات العسكرية بموجة من حملات التهجير والنزوح التي حملت في بعض الأحيان وجهاً مذهبياً وطائفياً، وفي أحيان أخرى مناطقيّاً، وكان من بين نتائجها تنشيط اللجوء إلى العشوائيات على هوامش المدن.

في هذه الأيام يميل كثير من سكان تلك المناطق إلى الانغلاق، وتصير «الأبواب المغلقة» نمط حياة لا بالمعنى الحرفي فحسب، ليمسي العيش في العشوائيات أشبه بالغربة، في تغير جوهري لحق بأسلوب العيش الذي كان معتاداً فيها سابقاً.

تحكي سيدة نازحة إلى إحدى عشوائيات دمشق وتدعى نادية أن علاقتها بجارتها تقتصر على تبادل جمل قصيرة من وراء الشبابيك. وبينما يلعب الأطفال، يتحدث الكبار بحذر بعيداً عن أوضاع البلاد.

تقول نادية: «أشعر وأنا أحدثها أنني لم أفقد وطني فقط، بل هويتي وشعوري بالآخر». وتضيف: «أنا وهي نازحتان خسرتا البيت والأصدقاء والجيران، وكلتانا تعاني من ضائقة مالية، وتسكن العشوائيات في شبه بيت مُستأجر، ولكن بيننا حواجز، وتراكمات، وحذر كبير». 

يبدو أن منبع هذا الخوف في كثير من الأحيان هو الاختلاف، سواء أكان عقدياً أم فكرياً أم مذهبياً، رغم بعض المحاولات الرسمية المستمرة لإبراز هذه «الفسيفساء المجتمعية» بوصفها «حالة نادرة تستوجب الصقل والتلميع». 

«أشعر حين أحدثها أنني لم أفقد وطني فقط، بل هويتي وعلاقتي بالآخر» - الرسم: صوت سوري

لكن لماذا هذه الهوة؟ ترى نادية أن كلّ «طرف» يُحمل الآخر مسؤولية الخراب في البلد، والضحايا، وقلة العمل وانهيار الليرة، «مع أننا جميعاً هنا نبحث عن ملاذ آمن».

أما سمر، فانتهى المطاف بها إلى حي شعبي شرق العاصمة دمشق بسبب ارتفاع أسعار العقارات النظامية عشرات المرات. ولأنها من محافظة إدلب، يعُدّ جميع المؤجرين حتى العشرة قبل تأجيرها، كما تعيش هاجس الحصول على «الموافقة الأمنية».

تعمل هذه السيدة الأربعينية في تحضير الخضار شبه الجاهزة لـ«سوق التنابل». وتقول: «لا يمكنني أن أشتكي بسبب الفقر، هذا حال عام، لكن لو كان في مقدوري الحياة في منطقة أخرى لما ترددت لحظة». مع ذلك، ترى سمر أن إيجار منزلها رخيص مقارنة بغيره، وهذا بسبب قربه من موقع حاوية القمامة التي تجعله غير مؤهل صحياً، «لكنني فضلت الأمان على العراء» تقول.

بينما يبدو الحديث عن حدائق يمكن للأطفال اللعب فيها ترفاً في زمن الحرب، تبدو سمر سعيدة بأن لديهم سقفاً وجدراناً تحميهم من الحياة السيئة في المخيمات، أو افتراش الحدائق العامة.

إذا قبّل الرجل زوجته هنا، فسيعرف كل الجيران بهذا الحدث إذ لا خصوصية في العشوائيات

وحول علاقتها بجيرانها، تقول: «لا أتعاطى مع أحد، كثيرون باتوا يحسبون حساباً مضاعفاً وفق معايير سياسية واجتماعية ودينية ومناطقية، ويملكون فكرة مسبقة عنا بسبب المنطقة التي أتينا منها، حتى إن البعض يعتقد أننا إرهابيون أو دواعش».

حين سألنا غادة عن علاقتها بجيرانها في حي المزة 86، ضحكت بشدة وقالت: «أي جيران؟! إذا قبّل الرجل زوجته هنا، فسيعرف كل الجيران بهذا الحدث الجلل، لأنه لا خصوصية في العشوائيات». 

وتضيف: «المنزل اللائق والخصوصية حلم كبير... نتشارك مع جيراننا كل شيء، والجيران كأنهم مسافرون عابرون نتيجة ارتفاع أسعار الإيجارات باستمرار، والتناقض بين السكان في المستويات التعليمية والأخلاقية». 

في قصة أخرى، نزحت وردة من قريتها في ريف حماة الشرقي منذ نحو أربع سنوات، لتجد نفسها في الشارع برفقة عائلتها المكونة من 35 فرداً بينهم أطفال ورضع، ثم بعد بحث طويل اشتروا منزلاً من غرفتين ومطبخ وحمام في عش الورور، على أطراف دمشق.

تستطرد وردة: «حين ننام تكون النساء في غرفة، والرجال في غرفة. لا يوجد أي أثاث في منزلنا سوى بضع فرشات من المعونة، وبعض الأغطية، ومواد المطبخ... بعد مدة من النزوح طلبت زوجة أخي الطلاق ولحقت بأهلها في تركيا تاركةً خمسة أطفال في رعايتنا».

وعن علاقتها بالجيران، تقول: «لا أتعامل مع أحد، وحتى زميلات الدراسة تقتصر علاقتي معهم على اللقاء في الجامعة، وأصلاً ليس هناك متر في منزلي لاستقبال أي ضيف... بيتنا أشبه بعلبة الكبريت».