فرح يوسف: صحافية سوريّة
وسط التداعيات الإنسانية للنزاع السوري، تتفاقم أزمة خفية تهدد ركائز الاستقرار على المدى البعيد: الأزمة البيئية. لم تكن البيئة السورية مجرد مسرح للصراع، بل طرفاً متأثراً ومؤثراً في آن واحد، ومن شأن تدهور النظم البيئية أن يُشكل تهديداً وجودياً للسلم الأهلي المستدام.
يُكذّب الواقع السوري اليوم أيّة مزاعم تدّعي أنَّ تحقيق العدالة البيئية ترفٌ أكاديمي أو نخبويّ، فثمّة تحديات بيئيّةٌ تفرض نفسها عاملاً حاسماً في معادلة إعادة الإعمار والاستقرار، من تلوّث الموارد المائية والنفطية، إلى حرائق الغابات، وموجات الجفاف المدمّرة، وغيرها من أزمات لا يمتلك السوريون رفاهية تجاهلها أو تأجيل البحث فيها.
الهجرة البيئية: فصل من فصول الحكاية
مع نزوح آلاف العائلات من الجزيرة السورية (شمال وشرق سوريا) إلى أطراف المدن الكبرى مثل دمشق وحلب، متأثّرةً بواحدةٍ من أسوأ موجات الجفاف التي شهدتها البلاد، معطوفة على سوء إدارة الموارد بين 2006 و2011، تتجلّى بوضوح العلاقة العميقة بين البيئة والمجتمع.
المياه الملوّثة، وتدهور الأراضي الزراعية، ونفوق المواشي، وانخفاض الإنتاج الغذائي، كلّها عواملُ غذّت توتّراتٍ مجتمعية جديدة وأضعفت الثقة بين المجتمع والدولة.
السياسات والعواقب
تعرّض رعاة المواشي لخسارات فادحة بلغت نحو 85% من الثروة الحيوانية، فيما كانت نحو 75% من الأسر الزراعية تعتمد على الأمطار، وفق تقارير إعلامية ودولية متقاطعة، ما أدّى إلى فشلٍ واسعٍ في المحاصيل في مناطق متعددة من البلاد.
زاد سوءُ إدارة الموارد المائية غير المستدامة من تفاقم الأزمة، إذ شجّعت السياسات الحكومية آنذاك على زراعة محاصيل كثيفة الاستخدام للمياه كالقمح والقطن، مع الاعتماد على تقنيات ريٍّ غير فعّالة، وسحبٍ مفرطٍ من المياه الجوفية. ومع استمرار الجفاف لسنوات، أُلغيت بعض أوجه الدعم الحكومي للقطاع الزراعي، ما أدّى إلى ارتفاع أسعار الوقود والأسمدة، فزادت الأعباء على المزارعين الذين وجدوا أنفسهم بلا بدائل حقيقية. فقدان سبل العيش دفع كثيراً من العائلات الريفية والمزارعين إلى الهجرة نحو المدن، ولا سيّما إلى دمشق وريفها، الأمر الذي فاقم الضغط على البنية التحتيّة الحضرية والخدمات الأساسية، ورفع معدّلات البطالة والفقر.
الغذاء والسياسة
تحوّلت أزمة انعدام الأمن الغذائي إلى عاملٍ مؤثّر في اندلاع الاحتجاجات اللاحقة، إذ عانى ما يزيد عن مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، ما عمّق الشعور بالاستياء من ضعف استجابة الحكومة. وإن لم تكن العلاقة بين الجفاف والتصعيد السياسي الذي قاد إلى حرب مديدة، علاقةً سببيةً مباشرة، فإنّ الجفاف كان أحد العوامل البنيوية المساعدة ضمن منظومةٍ من الأسباب الاقتصادية والسياسية وسوء الحوكمة التي غذّت الاحتقان الاجتماعي والسياسي في البلاد.
التلوّث النفطي: جروح الأرض مرآة الانقسام المجتمعي
لم تعد قضية المصافي النفطية البدائية المنتشرة في جغرافيات عديدة - مثل دير الزور والحسكة والرقة وريف حلب الشمالي - مجرّد ملفٍّ بيئيٍّ محلّي، بل تحوّلت إلى مرآةٍ تعكس عمق التصدّعات الاجتماعية والسياسية في المنطقة.
رغم غياب البيانات الدقيقة، تكشف المشاهدات الميدانية وتقارير صحفية وحقوقية متقاطعة، أن هذه المصافي المنتشرة بكثافة في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ومناطق سيطرة «الجيش الوطني» (سابقاً) تُنتج أضراراً بيئية وصحية مباشرة، أبرزها تلوّث الهواء والمياه، وانتشار الأمراض الجلدية وأمراض الجهاز التنفسي بين السكان.
لكنّ أثر هذه الكارثة يتجاوز البعد الصحي، إذ يكشف عن غياب العدالة البيئية في توزيع المخاطر والعوائد. فبينما يتحمّل السكان المحليّون - من عربٍ وكورد - العبءَ الأكبر من التلوّث، يسود شعورٌ متنامٍ لدى شرائح واسعة من العرب بأنّ الموارد النفطية تُدار من قبل الإدارة الذاتية دون شفافية أو رقابة كافية، ما يعمّق الشعور بالتهميش ويغذّي «الحساسيّات العرقية».
أعاد النزاع حول أسباب الحرائق، والاتهامات المتبادلة بين المجتمعات المحلية والأطراف السياسية، إنتاج الانقسامات الطائفية والمناطقية، حتى غدت البيئة ساحةً للصراع بقدر ما هي ضحية له
في السياق السوري الأوسع، يُعاد إنتاج «المظلوميّة البيئية» لتكون أداةً في خطاب الكراهية والتحريض، فتُوظَّف الأضرار البيئية والصحية لتصوير التمييز أو الإقصاء بحق جماعاتٍ بعينها. هذه العلاقات المتقلّبة بين عناصر ومعطيات متوترة لا تضعف فرص بناء سلمٍ أهليٍّ مستدام فحسب، بل وتُعقّد إمكانيّة إطلاق مسار «عدالةٍ انتقالية بيئية» يُعيد الثقة بين المكوّنات، ويمنح الناس شعوراً بالمساواة في الحقوق والحماية.
إنّ معالجة التلوّث النفطي في شمال وشرق سوريا لا يمكن أن تُختزَل في حلولٍ تقنية أو بيئيةٍ فحسب، بل تتطلّب مقاربةً حقوقيةً وسياسيةً شاملة تُعيد التوازن في إدارة الموارد الطبيعيّة، وتضمن ألّا تتحوّل جروح الأرض إلى جروحٍ مفتوحة في جسد المجتمع السوري، تزداد اتساعاً بعد سقوط نظام الأسد.
في الساحل السوري: حرائق النسيج الاجتماعي
منذ ما قبل العام 2011، استُخدمت حرائق الغابات في الساحل السوري، أحياناً، كأداة تحريض سياسي من قبل نظام الأسد. وفي السنوات الخمس الأخيرة التي سبقت فراره، تعالت أصوات تؤكد أن الحرائق كانت تندلع في غابات مختارة بعناية، ما أثار جدلاً واسعاً حول مسبباتها بين العوامل الطبيعية وشبهات الافتعال، بهدف تغذية مزاج الخوف والفقر والتوتر الطائفي، خصوصاً في مناطق اللاذقية وطرطوس ذات التنوّع الطائفي الحساس. تبقى الحقيقة أن هذه الأراضي جزءٌ من الهوية المحلية لسكانها، وأن فقدان غابات الزيتون والحمضيات والحراج، لا يمثل خسارة اقتصادية فحسب، بل خسارة نفسية وثقافية عميقة تُضعف الإحساس بالانتماء الجماعي وتترك المجتمع أكثر هشاشة أمام الانقسام.
لهيب النار يُصعّد الانقسامات
أعاد النزاع حول أسباب الحرائق، والاتهامات المتبادلة بين المجتمعات المحلية والأطراف السياسية، إنتاج الانقسامات الطائفية والمناطقية، حتى غدت البيئة ساحةً للصراع بقدر ما هي ضحية له. فإلى جانب العوامل الطبيعية للحرائق، تُضاف أسبابٌ أخرى ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالعدالة البيئية والسلم الأهلي.
بعد سقوط نظام الأسد، وفي صيف 2025، تزامنت موجات الحرائق مع تصاعد الخطاب الطائفي التحريضي، سواء على خلفية مجازر الساحل السوري (آذار/مارس)، أو بسبب الانتهاكات المتزايدة التي طالت هذه المرة الطائفة العلوية بصورة مضاعفة.
اتهمت أطرافٌ محلية فصائلَ وأفراداً من «فلول النظام» بإشعال الحرائق عمداً، فيما ردّ آخرون باتهامات معاكسة، موجّهين اللوم إلى عناصر موالية للسلطات السورية الجديدة، مستخدمين الانتماء الطائفي أو العرقي معياراً لتوزيع المسؤولية، ما زاد التوتر وعمّق الشكوك المتبادلة.
تؤكد التجارب الدولية أن الانقسامات السياسية تُضعف الاستجابة البيئية، بينما تُعزّز الاستجابة البيئية العادلة جهود بناء السلام
لم تكن الحرائق الأخيرة، ولا سيما في ريف اللاذقية حيث أتلفت نحو 16,600 هكتار من الأحراج، مجرّدَ كارثةٍ بيئيّةٍ، بل تحوّلت إلى قضية عدالة بيئية تُقاس شعبياً بعدد القرى المتضرّرة وعدد العائلات التي خسرت أرزاقها، وانتماءات سكانها الطائفية أو العرقية.
في النقاشات المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، برز شعور واضح لدى السكان المحليين بأن السلطة السورية الجديدة لم توفّر الحماية أو الاستجابة أو التعويض بشكل متكافئ بين القرى المختلطة طائفياً. وارتفعت أصوات تقول إن «بعض القرى تُركت تعاني أكثر من غيرها»، ما ألقى بظلال ثقيلة على السلم الأهلي الهش أساساً، وزاد الانقسام داخل المجتمع.
ومع تفاقم آثار الحرائق في الساحل وريف حماة، وتراجع قدرات أجهزة الإطفاء الرسمية، برز أثر الفصل التعسّفي لأسباب طائفية وسياسية لعدد من رجال الإطفاء ذوي الخبرة، ما ترك المؤسسات المعنية بقدرات بشرية محدودة أمام كارثة متجدّدة.
الفزعات الشعبيّة
بادر بعض المفصولين من جهاز الإطفاء أو المتطوعين للمشاركة في إخماد حرائق 2025، لكنّهم تعرّضوا للاعتقال أو التضييق الأمني، على خلفية اتهامات أرجعها سكان محليون إلى «أسباب طائفية».
ومع مرور الوقت، تحوّلت عمليات الإنقاذ والإطفاء إلى «فزعات شعبية»، هرع خلالها الأهالي في القرى حاملين أدواتٍ بدائيةً لمواجهة ألسنة اللهب، فسقط ضحايا ومصابون من المدنيين.
هذه الفجوة بين ضعف استجابة السلطات وتضامن المجتمع المحلي عمّقت الشعور بانعدام العدالة والتمييز، ورسّخت الانطباع بأن إدارة الكوارث لا تقوم على معايير مهنية موحدة، بل على اعتبارات الولاء والانتماء. وهكذا تحولت الحرائق إلى حدثٍ كاشفٍ لمدى هشاشة السلم الأهلي، ولتسييس العدالة البيئية في الوعي العام.
على النقيض من ذلك، ساد إجماع شعبي (نادر) في تموز/يوليو 2025 عقب مشاركة وزير الطوارئ رائد الصالح ميدانياً خلال حرائق الساحل السوري؛ إذ انتشرت صوره بين الأهالي وفرق الإطفاء وهو وسط ألسنة اللهب. هذا الحضور المباشر - إعلامياً على الأقل – خفف من احتقان الشارع، ورسّخ شعوراً بالإنصاف والعدالة في إدارة الكارثة، ممثلاً خطوة رمزية تعبّر عن الحاجة إلى المضيّ نحو عدالة بيئية تقوم على المساواة في المواطنة، من خلال الاستجابة المتكافئة للمتضررين، والمساهمة المباشرة في استعادة الثقة بقدرة الدولة وإرادتها في الحماية.
التحدّيات المؤسسية والسياسية
تواجه سوريا عقباتٍ هيكلية وسياسية عميقة في إدارة أزماتها البيئية، وهي عقبات موروثة وليست مستجدة، إذ تتوزع السيطرة اليوم بين السلطة المركزية في دمشق، والإدارة الذاتية في شمال وشرق البلاد، وفصائل محلية في مناطق مثل السويداء ومناطق أخرى تشهد توترات أمنية مستمرة.
هذا التشرذم الإداري يؤخر وجود سياسة بيئية موحدة، ويُضعف التنسيق في إدارة الكوارث المشتركة، كالتلوث النفطي والجفاف وحرائق الغابات.
القيود المالية والضغوط الدولية
حدّت العقوبات الدولية، سابقاً، من قدرة الدولة السورية على استيراد المعدات الأساسية، والوقود والبذور الموثوقة والكيماويات الزراعية. وحتى اللحظة، يبقى من غير الواضح ما إذا كانت هذه القيود لا تزال تؤثر فعلياً في الواقع البيئي، أم أن البيئة ببساطة لم تُدرج ضمن أولويات الإدارة الجديدة، في ظلّ الضغوط الاقتصادية الهائلة التي يرزح تحتها السوريون.
أدّت هذه الظروف إلى ارتفاع حادّ في تكاليف المدخلات الزراعية بما يفوق قدرة المزارعين الصغار على تحمّله، فيما ظلّ تمويل التدخلات البيئية محدوداً للغاية، إذ تغطي المساعدات الدولية جزءاً ضئيلاً من الخسائر الفعلية. وكانت منظمة الأغذية والزراعة (FAO) قد حذّرت في تقريرها للعام 2024 من عجزٍ يُقدّر بنحو 2.7 مليون طن من القمح، ما يعكس فجوةً حقيقية بين الاحتياجات والقدرات على إدارة الكوارث.
تؤكد التجارب الدولية أن الانقسامات السياسية تُضعف الاستجابة البيئية، بينما تُعزّز الاستجابة البيئية العادلة جهود بناء السلام. ففي كولومبيا، على سبيل المثال، ساعدت برامج إعادة تأهيل البيئة ضمن مسار العدالة الانتقالية على بناء الثقة بين المجتمعات المتضررة بعد النزاعات المسلحة، وتقليص النزاعات الثانوية الناتجة عن التنافس على الموارد الطبيعية.
ركيزة أساسية في تجارب ملهمة
تُظهر التجارب والمعطيات بمختلف أبعادها أن العدالة البيئية ليست رفاهية، بل هي جزء لا يتجزأ من العدالة الانتقالية. فإدماج البعد البيئي في أي آلية لبناء السلم الأهلي المستدام يجب أن يتضمن إعادة تأهيل الموارد الطبيعية بوصفها شرطاً أساسياً ضمن التوافق السياسي، مع إشراك المجتمعات المحلية بوصفها طرفاً مستفيداً ومراقباً في آنٍ واحد.
تمويل ومشاركة المجتمع
تشير الدراسات والتجارب، ومن بينها تقارير البنك الدولي، إلى أن تمويل مشاريع الإصلاح البيئي – كإعادة التشجير، ومعالجة الملوِّثات النفطية، وإصلاح شبكات المياه المتضرّرة – ينبغي أن يُنجز من خلال صناديق دولية ملزِمة، تخضع لآليات مراقبة شفافة، وتضمن مشاركة المجتمعات المحلية في مراحل التنفيذ والتقييم. على سبيل المثال، أظهرت تجربة رواندا بعد الصراع، أن إشراك المجتمعات المحلية في عمليات إعادة التشجير وإدارة الموارد الطبيعية ساهم في تعزيز السلم الأهلي وبناء الثقة بين المكونات العرقية المختلفة.
حوكمة محلية فاعلة
تُعدّ الحوكمة المحلية عاملاً معززاً لفعالية الاستجابة البيئية، فإشراك القرى والمجتمعات في مراقبة التلوث، والإنذار المبكر للحرائق، وإدارة الموارد المائية، جميعها خطوات تمنح الأفراد شعوراً بالمسؤولية والسيطرة، وتقوّي جسور الثقة بين السلطات والسكان.
لقد أثبتت التجارب الدولية أثر الإدارة المحلية الفعالة للحرائق على السلم الأهلي، كما في إندونيسيا وتركيا، حيث ساهم دمج المجتمعات في مراقبة الغابات وإدارة الكوارث في تقليل النزاعات وتحسين توزيع الموارد بعد الأزمات.
كما تُنبّه هذه التجارب إلى ضرورة إدراج الانتهاكات البيئية ضمن آليات حقوق الإنسان والمساءلة، إذ إن التلوث وانهيار الموارد الطبيعية يشكّلان انتهاكاً مباشراً لحقوق الغذاء والصحة والعيش الكريم.
الأرض شاهدة على المستقبل
تشير جميع الأمثلة والأدلة المستعرضة إلى أن البيئة في سوريا تحوّلت من ضحية صامتة للنزاع إلى ساحة حاسمة لمستقبله. إذ إن الربط الوثيق بين تدهور الموارد الطبيعية وتفكك السلم الأهلي يضع العدالة البيئية في صلب أي جهد جاد لبناء سلام مستدام. لذلك فإن معالجة الجروح البيئية، من خلال سياسات عادلة وشاملة، وحوكمة محلية فاعلة، ومساءلة للانتهاكات، واستثمارات دولية ملزِمة، ليست مجرد استجابة لأزمة إنسانية، بل هي استثمار استراتيجي في منع نشوب صراعات جديدة.
العدالة البيئية والمصالحة
لا يمكن فصل العدالة البيئية عن مسار العدالة الانتقالية في سوريا، فهي ليست ملفاً تقنياً، بل ركيزة لإعادة الثقة بين المجتمعات المنهكة. فالمناطق التي دُمّرت غاباتها أو تلوّثت مياهها ليست بحاجة إلى تعويض مادي فحسب، بل إلى اعتراف رسمي بالضرر بشكل عادل ومتماثل، وإشراك السكان في تحديد أولويات التعافي وإعادة الإعمار. إن هذا الاعتراف بحد ذاته فعل مصالحة يفتح الباب لتضميد الجراح الاجتماعية.
لجان المراقبة المحلية
تتطلّب المعالجة على الأرض مقاربة متعددة الأبعاد، يمكن أن تكون بدايتها تشكيل لجان محلية مستقلة تضم خبراء ووجهاء من المجتمعات المحلية، لرصد الأضرار البيئية وتوثيقها بشفافية. يلي ذلك تفعيل برامج عمل سريعة تركّز على إعادة تأهيل الأراضي الزراعية ومصادر المياه، مع تشغيل الشباب والنساء في مشاريع كالتشجير وإدارة النفايات، بما يساهم في إعادة دمجهم اجتماعياً واقتصادياً.
الإطار القانوني والتنسيق المجتمعي
إلى جانب أهمية بناء إطار قانوني يضمن المساءلة والتعويض ويحدّ من التلوث واستغلال الموارد بشكل غير مستدام، بما يرسّخ ثقافة عدم الإفلات من العقاب، يمكن للتنسيق المجتمعي الفعّال أن يثمر حملات تضامن و«فزعات» شعبية موجَّهة وفاعلة، تُحدث أثراً عملياً على الأرض، وتُراكِم نتائجها في تجاوز الجراح المجتمعية التي تُكرّسها الممارسات الفصائلية، أياً كانت تبعيتها.
زرع بذور المصالحة
هذه الخطوات، مهما بدت متواضعة، تحمل أثراً يتجاوز المجال البيئي، إذ تُعيد إحياء الإحساس بالملكية الجماعية للأرض، وتمنح المجتمع مساحةً لتجربة العدالة بأبسط صورها وبشكل ملموس. ومن هنا تُزرع بذور المصالحة الفعلية.
إن اعتبار العدالة البيئية ركيزة أساسية للعدالة الانتقالية يمثل تحوّلاً جوهرياً في النهج، ويفتح الباب أمام تحويل الكارثة إلى فرصة لبناء عقد اجتماعي جديد، لتصبح الأرض، التي كانت شاهدة على الصراع، وسيطاً للتصالح وضامنةً للعيش الكريم والأمن الجماعي.